واستجاب الرسول الكريم لهذه الدعوى، وظل ثلاثة عشرة سنة يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتحمل في سبيل ذلك ما لم يكن يستطيعه بشر آخر، ولا نقول ذلك مبالغة، فهاهم أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد أن اشتد بهم الأذى يطلبون منه أن يدعو الله على كفار قريش، كما دعا نوح على قومه لكنه بطبيعته المهيَّأة للرسالة، يرفض ذلك رفضًا شديدًا.
روى البخاري عن قيس قال: سمعت خبابًا يقول: ((أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد ببردة، وهو في ظل الكعبة، ولقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: ألا تدعو الله فقعد وهو محمر الوجه، وقال: قد كان من قبلكم يمشط بأمشاط الحديد، ما دون عظامه من لحما أو عصبا، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، ما يخاف إلا الله عز وجل، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)).
وبهذا الإيمان بعظمة الرسالة، وأن الله ناصرها في النهاية ظل الرسول هذه السنوات الطوال يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، وينهى عن العنف والقتال، حتى جاء الإذن من الله برد العدوان، بعد أن دخل الإسلام مرحلة جديدة.
وهذا ما يدعونا إلى أن نتحدث عن رابع المعالم لتخطيط نشر الدعوة، وهو رد الاعتداء دون البدء به، قلنا: إن الخطة الناجحة هي التي تضع في اعتبارها عامل الزمن، وتلائم بين متطلباتها، وطبيعة المرحلة التي تعايشها، ولقد طبق الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا المبدأ بحكمة ودراية خلال مراحل الدعوة، فقد أمضى عليه الصلاة والسلام ثلاث عشرة سنة يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة؛ إذعانا لأمر ربه وتنفيذًا لقول الله تعالى:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}(الأحقاف: من الآية: ٣٥)