استمرا- وإن جار عرجا وتركاه)) وقد حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الناس، وبعث عليًا وأبا موسى الأشعري إلى اليمن للقضاء في المنازعات، وبعث إليهما أيضًا معاذًا، وكان عتاب بن أُسيد أول قاضٍ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولأن الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- حكموا بين الناس، وبعث عمر -رضي الله عنه- أبا موسى الأشعري إلى البصرة قاضيًا، وأرسل عبد الله بن مسعود إلى الكوفة قاضيًا، وتولى القضاء عمر، وعلي، ومعاذ، وأبو موسى، وغيرهم، وأجمع المسلمون على مشروعية تعيين القضاة، والحكم بين الناس لما في القضاء من إحقاق الحق، ولأن الظلم متأصلٌ في الطباع البشرية، فلا بد من حاكم ينصف المظلوم من الظالم.
نوع المشروعية:
القضاء فريضة محكمة من فروض الكفاية باتفاق أئمة المذاهب، فيجب على الإمام تعيين قاضٍ، ودليل الفرضية: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ}(النساء: من الآية: ١٣٥) ولأنه -كما ذكر- طباع البشر مجبولة على التظالم ومنع الحقوق، وقل من ينصف من نفسه، وبما أن الإمام لا يقدر عادة على فصل الخصومات بنفسه لكثرة مشاغله العامة؛ فالحاجة تدعو إلى تولية القضاء، وأما كونه فرض كفاية فلأنه أمرٌ بمعروف، أو نهي عن منكرٍ، وهما واجبان كفائيان، فالقضاء أمر من أمور الدين، ومصلحة من مصالح المسلمين تجب العناية به؛ لأن بالناس إليه حاجة عظيمة، وهو من أنواع القربات إلى الله -عز وجل- ولذا تولاه الأنبياء -عليهم السلام- قال ابن مسعود:"لأن أجلس قاضيًا بين اثنين أحب إلي من عبادة سبعين سنة".