فنذكر الآن القضاء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فنقول:
لما جاء الإسلام على يد محمد -صلى الله عليه وسلم- رفع لواء العدالة، وقرر المساواة الكاملة بين الناس جميعًا لا فرق بين حاكم ومحكوم، ولا بين أمير وحقير، ولا بين مسلم وغيره، فالكل أمام عدالة الإسلام سواء، ولقد قرر الإسلام مبدأ المساواة بين الناس في أكمل صورة وأمثل أوضاع، واتخذ العدل دعامة لجميع ما سنه من نظم أو تشريعات تحكم علاقات الأفراد والمجتمع بعضهم مع بعض، وقد طبق الإسلام ذلك في جميع النواحي التي تقتضي العدالة الاجتماعية، وتقضي كرامة الإنسان الفرد أن يطبق فيها، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحفاظ على تعليم الإنسان الخاص، بالعدالة، وإقامة العدالة بين الناس، والفصل في كل ما يجد لهم من مشاكل ومنازعات؛ ولذلك كان على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعمل كل ما في وسعه ولا يدخر طاقة في ذلك، فأخذ يبين للناس دستور القضاء والتقاضي، ويوضح ما يسلكه القاضي في قضائه، وما يجب عليه أن يلتزمه في نظر الدعوى، وفي الحكم الذي يصدره في شأنها ويقره الإسلام متخذًا في ذلك منهجه العملي الذي نظمته هداية السماء داعيًا البشر إلى الاقتداء به في كل مرحلة من مراحل الحياة، فقد كان قضاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- تشريعًا واجب الاتباع سواء كان ذلك القضاء تطبيقًا لنص تشريعي نزل به الوحي، أو كان اجتهادًا منه؛ لأنه في جميع الحالات لا يقر على خطأٍ، فكان اجتهاده بمنزلة الوحي الثابت لا جدال في ذلك، ولا مراء كما استقر عليه رأي جمهور العلماء والفقهاء أخذًا من قوله -سبحانه وتعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وحْيٌ يُوحَى}(النجم: من الآية: ٣، ٤).
أما فيما ورد فيه نص من كتاب أو سُنة، فإن قضاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- به يؤكد بقاء العمل به مع ما قد يقترن بهذا من بيان لمجمل النص التشريعي وتفصيل لخفائه، ومن هنا