وجب التزام قضائه -عليه الصلاة والسلام- فيما كان تطبيقًا لنص، ولا يجوز العدول عنه عند ثبوته لأي قاضٍ يريد تطبيق هذا النص على قضية مشابهة معروضة أمامه.
أما قضاؤه -صلى الله عليه وسلم- باجتهاده فيما لم يرد فيه نص فكثير، ومن ذلك قضاؤه في فاطمة بنت قيس التي خاصمت زوجها إليه، وحكم بتطليقها البتة، ولم يجعل لها الرسول السكنى والنفقة؛ فقد جاء في صحيح مسلم عنها:((طلقني زوجني ثلاثًا فلم يجعل لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سكنى ولا نفقة)) وفي رواية لأحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:((يا بنت آل قيس إنما السكنى والنفقة على من كانت له رجعة)).
ومن ذلك أيضًا قضاؤه -عليه الصلاة والسلام- بتخيير الولد المميز بين أبيه وأمه إذا انفصلا، فقد جاءته امرأة فقالت:((إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني، فقال -عليه الصلاة والسلام-: استهما عليه، فقال زوجها: ومن يحاقني في ولدي؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للولد: هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت -أي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خير الولد بين أبيه وأمه- فأخذ بيد أمه؛ فانطلقت به)).
وبالنسبة للسلطة القضائية في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- نقول: لما استقر النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة بعد الهجرة جمع بين السلطات جميعًا التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، ولم يكن للمسلمين قاضٍ سواه، أما التشريعية فباعتباره مبلغ الوحي، وحامل راية التشريع، وعليه عبء إعلامه للكافة، وأما القضائية فلأن منهج العدالة يحتاج إلى تدريبٍ، وتنظيمٍ، وقيادة عملية حكيمة يهتدي بها البشر في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، وهذه القيادة إنما تقوم برعايتها والعناية بها هداية السماء، فكان لابد أن تكون السلطة القضائية في يده -عليه الصلاة والسلام- وقد جمع إلى هذه السلطة القضائية أن يتولى بنفسه القضاء والحكم في كل المشاكل والقضايا التي كانت تقع للناس في ذلك الوقت، وذلك عندما كانت الدولة الإسلامية في بادئ