عهدها، ولم تتطاول أطرافها بعد، حيث لم يكن في حاجة إلى معاونة في تطبيق التشريعات القضائية بين الناس؛ لقلة عدد القضايا التي كانت ترفع إليه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الوقت، فلما انتشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية وملأ الآفاق كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة إلى أن يعهد بالقضاء إلى بعض ولاته الذين أنابهم في حكم البلاد المترامية عنه بعد أن وضح لهم معالم تشريعات السلطة القضائية، وأمرهم بالالتزام بها، وتحقيق العدالة بين الناس جميعًا لا فرق بين أمير وحقير، ولا بين مسلم وذمي، فالكل أمام عدالة الإسلام سواء طبقًا للمنهج الذي رسمه لهم في مجال القضاء، فكان القضاء إحدى وظائف الوالي الذي يتعين عليه أن يقضي بين الناس طبقًا لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.
ونتكلم الآن عن القواعد، والمبادئ، والنظم التي تضمنتها تشريعات سلطته القضائية -صلى الله عليه وسلم- فالنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بالدعوة مثلًا أوضح -عليه الصلاة والسلام- أن كل دعوة تحتاج إلى بينة تقوم بها الحجة على صدق صاحبها؛ فإن عرت عن البينة غدت كأن لم تكن، وفي هذا المعنى يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودمائهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)) كما أوضح الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- ضرورة سماع الخصمين أو الخصوم قبل الفصل في النزاع، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه- حينما ولاه قضاء اليمن:((إن جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع كلام الآخر كما سمعت كلام الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء)).
وأوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أوضح من تنظيمات القضاء، أنه يجب على القاضي أن يسوي بين الخصمين، فقد روت أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه، وإشارته،