للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جباية الضرائب من أهلها، إذ كان بعض تلك الولايات مثل الشام ومصر تتعامل بالدينار من الذهب، وهو الوحدة الأساسية للنقد الذي ساد كل منهما منذ أيام تبعيتهما لدولة الروم قبل الإسلام؛ وتعاملت العراق وفارس بالدرهم من الفضة، الذي ساد نشاطهما الاقتصادي منذ أيام الساسانيين قبل الإسلام، وعرف العرب هذين النوعين من العملات منذ العصر الجاهلي، حيث كانت تَرد عليهم الدنانير من الروم، والدراهم من بلاد فارس، وكان سعر التبادل عندهم هو كل عشرة دراهم تساوي سبعة دنانير، فأقر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وأقره أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فكان معاوية فأقر ذلك على حاله.

وسرعان ما تبين صعوبة الاستمرار بهذا الازدواج النقدي، نظرًا لاتساع رقعة الدولة من ناحية، وللفساد الذي دب إلى بعض هذه العملات من ناحية أخرى، إذ دأب الناس على أداء الخراج بالعملات ذات القيمة المنخفضة، والاحتفاظ بالعملات العالية القيمة، مما أضر بالخراج، وأساء إلى العدالة في جبايته، وواجهت هذه الأوضاع السيئة الخليفة عبد الملك بن مروان عند مطالبة الناس بالكسور وهي: بقايا الأموال المتخلفة، ومبادرة دافعي الضرائب إلى تسديد تلك الكسور بالعملات المنخفضة القيمة.

وشرح الإمام الماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية) هذه الظاهرة قائلًا: ثم فسد الناس، فصار أرباب الخراج يؤدون الطبرية -وهو: نوع من العملة- التي هي أربعة دوانق، وتمسكوا بالوافي الذي وزنه وزن المثقال، فلما ولي زياد العراق طالب بأداء الوافي، وألزمهم الكسور، وجارى فيه عمال بني أمية، إلى أن ولي عبد الملك بن مروان فنظر بين الوزنين، وقدر وزن الدراهم على نصف وخُمس المثقال، وترك المثقال على حاله، هذا هو كلام الماوردي.

<<  <   >  >>