وجه الإسناد من هذه الآية قال القرافي من المالكية: قال العلماء هذا حكم عام في هذه الأشياء، والحكم المشترك يجب أن يكون معللًا بعلة مشتركة، وهي عند مالك الادخار للقوت غالبًا؛ لأنه وصف مناسب في الاقتيات من حفظ الأجساد التي هي سبب مصالح الدنيا والآخرة، وإذا عظمت النعمة وجب الشكر بدفع الزكاة، فكأن الإمام القرافي من المالكية يبين أنه يؤخذ من قول الله -تبارك وتعالى-: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} يقول: إن ذلك ينبغي أن يكون للزراعات أو الحبوب التي تقتات غالبًا؛ لأن في هذه الأشياء فيها حفظ للأجساد التي هي سبب مصالح الدنيا والآخرة، وإذا عظمت النعمة وجب الشكر بدفع الزكاة. فهذا إذن دليل على أن الزكاة لا تجب إلا في ما يقتات ويدخر.
ومن السنة استدل هؤلاء الفقهاء الذين ذهبوا إلى أن الزكاة إنما تجب فيما يُقتات ويدخر فقط، استدلوا بما روي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:((ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمسة أواقٍ صدقة)) وفي رواية محمد بن رافع عن عبد الرزاق: ((ليس في حب ولا ثمر)) بفتح مثلثة.
أقول: استدلوا بهذا الحديث وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق)) وجه الاستدلال أن قوله -عليه السلام-: ((ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق)) عام في جملة الحبوب والثمار، وهذا إنما يطلق على ما يُقتات ويدخر، وأيضا مما استدلوا به إنما هو قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس في الخضراوات صدقة)) ومعنى ((ليس في الخضراوات صدقة)) لأن الخضروات لا تُقتات ولا تدخر، وهذا يفهم منه أنها تجب فيما يقابل الخضروات، وهي ما يُقتات ويدخر، وبالتالي يكون الحديث دالًّا على أن الزكاة إنما تجب فيما يقتات ويدخر فقط.