فكيف يتحقق العدل بين الناس؟ وما هي الوسائل التي تحقق هذا العدل، كل هذه الأمور يقوم بها علم السياسة الشرعية، وكذلك إذا كان الله -تبارك وتعالى- يأمرنا بالشورى بقوله:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، وقوله:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر}(آل عمران: من الآية: ١٥٩) فهذا هو المبدأ -مبدأ الشورى بين المسلمين- لكن كيف تتحقق الشورى؟ وما هي الوسائل التي تتحقق بها هذه الشورى؟ وما هي الطرق التي يتم بها الشورى؟ هذا متروك لعلم السياسة الشرعية، لماذا كان متروكًًا لعلم السياسة الشرعية؛ لأن علم السياسة الشرعية إنما يعمل على تحقيق مصالح الناس وفقًًا للأحوال التي هم فيها، وفقًًا للبيئات التي هم فيها؛ لأنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.
إذن السياسة الشرعية هي التي تحقق لنا هذه المبادئ من الحكم بالعدل، ومن الشورى، ومن رفع الحرج عن الناس، والمشقة عنهم؛ ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل السياسة الشرعية كأنها تقوم بالنصيحة للمسلمين عندما قال:((الدين النصيحة)) لكن من ينصح؟ من ينصح المسلمين، وعامة المسلمين، وأئمة المسلمين؟ كما قلنا- القانون: السياسة الشرعية، أو علم السياسة الشرعية هو الذي يبين ذلك.
رعاية هذه المبادئ -كما قلنا- المبادئ العامة -كما قلنا- التي جاء بها الإسلام مبادئ عامة، لكن التفصيلات، وإجادة فهمها، ومعرفة مواطن هذه المبادئ كفيلة بأن تفتح على الناس أبوابًًا واسعة ينفذ منها كل من له شأن في سياسة الأمم، ومن يعنيه أن تقوم شئونُها على قواعد الصلاح، والرشاد.
خلاصة القول في هذا الدليل -الذي يدل على أننا في حاجة إلى علم السياسة الشرعية- أن هذه القواعد العامة -كما قلنا- سواء بالنسبة للحكم بالعدل بين الناس، وتنظيم القضاء، أو إقامة الشورى عند المسلمين، أو رفع الحرج، والتيسير عن الناس، هذه المبادئ العامة التي يقوم بتنظيمها إنما هو علم السياسة الشرعية، لماذا لم ينص على كيفية ذلك في الكتاب،