والفقهاء الذين تطلبوا في سنة الآحاد شروطًا خاصة للعمل بها كالمالكية والحنفية على ما ذكرنا، فليس يترتب على تخلف هذه الشروط في نظرهم رد سنة الآحاد جملة وتفصيلًا، وإنما هم يحتجون في سنة الآحاد في كثير من الأحكام باستثناء بعض الأحاديث القليلة النادرة التي تخالف ما اشترطوه في العمل بهذه السنة.
وهل تصل أحكام القانون السياسي والدستوري في خطورتها إلى مستوى العقائد التي ارتأى علماء الأصول والفقه: أنه لا يكفي إثباتها غلبة الظن الذي تفيده سنة الآحاد، وإنما يلزم أن يكون دليل إثبات العقائد يقينيًا؛ لأن الظن في هذا الصدد لا يغني من الحق شيئًا؟
أعتقد أن أحكام القانون السياسي والدستوري لا تصل إلى مرتبة العقائد حتى نشترط لها أحاديث تفيد اليقين، مثل: الأحاديث المتواترة.
على أنا نلاحظ: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو صاحب الشرع ومؤسس دولة المسلمين قد تواتر عنه إرساله الرسل والقضاة والأمراء إلى الأفاق وإلى الدول المجاورة، وكانوا مع ذلك آحادًا، ولم يقل أحد بأن هذا الإرسال غير صحيح، بل كان أهل البلدان المختلفة يلتزمون بتلك الأحكام التي يبلغهم إياها الرسل والأمراء والقضاة من قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولو لم يكن خبر الواحد حجة ملزمة لما التزموا بذلك.
وأيضًا فقد ذكر الشافعي في (الرسالة) ما يفيد الاحتجاج بخبر الواحد من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد قال عليه السلام:((نضر الله عبدًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى منه أفقه منه)) قال الشافعي فلما ندب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها من عبد واحد دل على أنه -عليه السلام- لا يأمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه.