للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأغلبية ترى خلاف ما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأقلية التي رأت رأيه فقد نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رأي الأغلبية, ومن هذه الواقعة نتبين أيضًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- التزم بما انتهى إليه المتشاورون مع أن رأيه الشخصي كان خلاف رأيهم, حيث كان يرى أنه من الأفضل البقاء في المدينة والتحصن بها, فهذا أخذ بمبدأ الشورى في الإسلام إلى أقصى درجة.

وهناك سابقة حدثت في عهد النبوة تعطي تأكيدًا قاطعًا لمسلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بصدد الشورى, وقد رواها البخاري وغيره من الفقهاء ومجمل القصة أن وفدًا من هوازن قدم إليه أي: إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب منه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد غزاهم وأخذ منهم الأموال والسبايا, وهم يردون أن يستردوا هذه الأشياء, فلما جاءوا إليه -صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم, قال لهم: معي من ترون. يعني: كأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لهم: معي الصحابة سوف آخذ رأيهم في هذا الموضوع, ولن أستطيع أن أبدي رأيًا دون الرجوع إليهم, قال لهم: معي من ترون وأحب الحديث إلي أصدقه, فاختاروا إحدى الطائفتين, إما السبي وإما المال.

النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: لن تأخذوا السبي والمال معًا, لكن اختاروا إما السبي وإما المال, وقال لهم: كنت قد استأنيت بكم, وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أنذرهم بضعة عشرة ليلة حين قفل ورجع من الطائف, ولما تبين لهم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لن يرد إليهم إلا إحدى الطائفتين اختاروا السبي فقام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال أما بعد: فإن إخوانكم قد جاءوا تائبين, وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك, فليفعل. أي: من أحب منكم أن يرد إليهم السبي الذي أخذه فليفعل -يعني يرده إليهم, وله الثواب من الله تبارك وتعالى, ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل.

<<  <   >  >>