نقول: وأما نطاق هذا الواجب, وهو واجب المشاورة, فهو ما لم تتفق عليه الآراء, فرأي يذهب إلى أن ذلك قاصر على المسائل الدنيوية كأمور الحرب وغيرها, أما المسائل الدينية فهي تخرج عن نطاق المشاورة, وليس الرسول ملزمًا بمشاورة المسلمين فيها, حتى في الأمور التي لم ينزل عليه -صلى الله عليه وسلم- فيها وحي؛ لأن هذه الأمور مرجعها إلى الله عز وجل ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بجميع أقسامها وجوبًا وندبًا وإباحة وكراهة وتحريمًا, ولم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ملتزمًا بالمشاورة في هذه الأحكام الدينية؛ لأن الرأي فيها لله عز وجل وحده عن طريق الوحي؛ لذلك فإن بعض الفقهاء يفسر اللفظ الوارد في آية الشورى, وهي قوله تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(الشورى: من الآية: ٣٨) واللفظ الوارد في سورة آل عمران: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}(آل عمران: من الآية: ١٥٩) بأن المراد هو الأمر الدنيوي الذي يقوم به الحكام عادة, لا أمر الدين المحض, الذي مداره الوحي دون الرأي.
إذ لو كانت المسائل الدينية كالعقائد والعبادات والحلال والحرام مما يقرر بالمشاورة لكان الدين من صنع البشر, وهذا محال وباطل, وإنما هو صنع إلهي, ليس لأحد فيه رأي لا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا بعد عهده -صلى الله عليه وسلم- ولهذا فإننا نرى الصحابة رضوان الله عليهم كانوا لا يعرضون رأيهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد أن يتأكدوا بأن ما يعرضون إليه من رأي إنما هو من الأمور التي لم ينزل فيها وحي, وهذا واضح من المناقشة التي جرت بينه -صلى الله عليه وسلم- وبين الحباب بن المنذر يوم بدر, إذ أن الحباب قال له عندما نزل في مكان: أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟
فمعنى كلام الحباب بن المنذر أن هذا الرأي لو كان الله هو الذي جعلك تقف فيه فليس لنا أن نبدي برأي, أما إذا كان أمور دنيوية وأمور حرب وكذا فنبدي