يقع هذا الواجب من ناحية أخرى على عاتق الخليفة وغيره من الحكام والولاة، وقد دلت على ذلك الآية الكريمة {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر}(آل عمران: من الآية: ١٥٩) لأنه إذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو النبي المعصوم من الهوى، والمنزه عن الخطأ إذا كان مأمورا من الله -عز وجل- بالمشاورة، فإنه من باب أولى أن يلتزم الحكام من بعده بهذا الواجب، والتزامهم به أقوى وأشد؛ لانتفاء العصمة فيهم، واحتمال وقوعهم في الخطأ، ولهذا يقرر الفقهاء أن أمر الله -عز وجل- للرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمشاورة لم يكن لحاجة منه لرأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم -عز وجل- ما في المشاورة من الفضل ولتقتدي به أمته من بعده، على أن هذا الالتزام المتبادل بالشورى بين الحكام والمحكومين يجب ألا ينتهي إلى مخالفة قاعدة من القواعد المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية، أو قاعدة من قواعدها الكلية، والقرار في هذه الحالة يكون باطلا أي: في حالة ما إذا كانت هناك مخالفة لقاعدة من القواعد المنصوص عليها في الشريعة، ولا يترتب عليه أي أثر قانوني، فحيث يوجد نص قطعي أو قاعدة كلية، فلا يجوز أن يترتب على أعمال الرأي والمشاورة مخالفتهما.
ثم نتحدث الآن عن دورة الأمة الإسلامية في تحقيق واجب الشورى، سبق أن أشرنا إلى أن الشورى واجبة على الحاكم والمحكوم على حد سواء، وانتهينا إلى أن الشورى بهذا المعنى تعطي لعلماء الأمة ومجتهديها من أهل الحل والعقد في شتى مناحي الحياة، تعطيهم الإسهام في تدبير كافة شئون الأمة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن ثم فإن الأمة الإسلامية في قيامها بهذا الدور عن طريق مجتهديها وعلمائها من أهل الحل والعقد، لا تقتصر في مجال التشريع على إعطاء المشاورة للخليفة، وإنما تقوم بالدور الرئيسي، والفعال عن طريق هؤلاء الذين إذا أجمعوا على حكم من الأحكام العملية، فإنه يكون واجب