وأخيرا فإننا إذا توخينا الحقيقة والصواب، فإننا سوف نجد أن النظام الأقرب إلى مبدأ الشورى في الإسلام هو نظام الانتخاب الذي يطلق عليه اسم الانتخاب المقيد، وليس نظام الانتخاب العام، وهذا الاتجاه يؤيده عدد من العلماء والباحثين في المسائل الدستورية والإسلامية، فالأستاذ الكبير بارت لملي يرى أن إسناد الأمر في الأمة للنخبة الممتازة من أبنائها لا ينافي مبدأ المساواة بين المواطنين بل إن ذلك يتفق مع التعريف المأثور عن أرسطو فهو يقول: المساواة هي: ألا نضع على قدم المساواة شيئين غير متساويين.
وقد رأينا في كلامنا عن الشورى في الإسلام أن العبرة في تحديد أهل الشورى، كانت بصفاتهم لا بعددهم، وأن الكثرة والأغلبية لا تعني الأفضلية تماما، وكما يقول الأستاذ الكبير أبو الأعلى المودودي: إن الإسلام لا يجعل كثرة العدد ميزانا للحق وللباطل، يقول تعالى:{قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}(المائدة: من الآية: ١٠٠) بل إننا على العكس نجد أن القرآن الكريم يحذرنا دائما من رأي الكثرة، فإنه ليس صوابا دائما بل إنه قد يؤدي إلى الضلال والبوار، قال تعالى:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}(المائدة: ١١٦).
بيد أنه يلاحظ أن القيد الوحيد الذي يقره الإسلام فيما يتعلق بممارسة الحقوق السياسية كالانتخاب هو قيد الكفاءة وحدها، بغض النظر تماما عن أي قيد آخر كالأصل أو المهنة أو المال.
نكتفي بهذا القدر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.