فقد فهم -رضي الله عنه- هذا النص على أنه يعني: ترجيح مصلحة الأمة الإسلامية التي تقتضي بعدم استئثار فئة من الناس بتملك الأراضي؛ لأن ذلك مخالف للعدالة، وللنص القرآني:{كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} وللنص القرآني الذي أكمل الآية التي ذكرها عندما عدد فئات من يستحقون، وذكر في آخرهم:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} وأخذ عمر بن الخطاب يدافع عن وجهة نظره، وهو أن تبقى الأرض بيد أصحابها، ويفرض عليها الخراج كما قلنا، أخذ يدافع عن وجه نظره بقوله: "أرأيتم هذه الثغور لا بد من رجال يلزمونها ثغور يعني: الأماكن التي يكون فيها الجنود يدافعون عن الدولة الإسلامية، أرأيتم هذه الثغور لا بد من رجال يلزمونها أرأيتم هذه المدن العظام كالشام ومصر والكوفة لا بد لها أن تشحن بالجيوش، وإدرار العطاء عليهم، فمن أين يعطى هؤلاء إن قسمت الأرضين؟ يعني إن قسمت بين الغانمين، وهكذا أعمل عمر بن الخطاب قاعدة العدالة التوزيعية، أو ما يطلق عليها حديثا العدالة الاجتماعية، فقد رأى ضرورة حصول جماعة المسلمين على موارد تنفق على المحتاج منهم، وعلى رعاية المصالح العامة، وإدارة المرافق في الدولة الإسلامية، ورجح هذه المصلحة على مصلحة قلة من الغزاة والفاتحين وأبناءهم كان ريع هذه الأرض كلها سيذهب إليهم دون بقية المسلمين، ومن ذلك يمكن القول أننا أمام نص محكم، يحدد ضرورة استفادة كل الناس بالأموال العامة، لا الذين يوجدون منهم وقت تكوينها فحسب بل الذين يأتون من بعدهم، هل يمكن تصور نص وضعي يعنيه ذلك الآن؟
صراحة لا أظن ذلك، ونرى أيضا تطبيقا يدل على عبقرية مبكرة وقدرة على النفاذ إلى حكمة من حكم التشريع الإسلامي في وقت ما كانت فيه مدارس، ولا معاهد ولا جامعات، ولكنها جامعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومدرسة القرآن الكريم.