وغير ذلك كثير في آيات الكتاب العزيز يحض على التفكير في خلق الله، وينعي على تعطيل العقل عن وظائفه، واتباع الآباء، والتقليد الأعمى، وقد مارس سلفنا -معشر المسلمين- الحرية الفكرية كأعظم ما تكون؛ ولذلك أُثِرَ عنهم نتاج تفكيرهم في تلك العلوم النافعة المفيدة، ولعل أبرز مثال على ذلك تلك المدارس الفقهية المختلفة، التي تقرّرت في الفقه الإسلامي وفقًا للقواعد والأصول المسلَّمة لدى أئمة المذاهب في الاستنباط، وسوف نذكر مشتملات هذه الحرية الفكرية على التقسيم المعمول به في الفقه الدستوري الحديث؛ لنعرف ما جاء في النظام الإسلامي بهذا الشأن:
١ - حرية العقيدة:
ويقصد بها في الفقه الدستوري الوضعي حرية الشخص في أن يعتنق الدين، أو المبدأ الذي يريده، وحريته في ألا يعتنق الدين أو المبدأ الذي يريده، وحريته في أن يمارس شعائر ذلك الدين، سواء في الخفاء أو علانية، وحريته في ألا يعتقد بأيّ دين، وحريته في ألا يفرض عليه دين معين، أو أن يجبر على مباشرة المظاهر الخارجية، أو الاشتراك في الطقوس المختلفة للدين، وحريته في تغيير دينه. كل هذا في حدود النظام العام والآداب، هذا بالنسبة للقوانين الوضعية وتفسيرها لحرية العقيدة.
وفي الواقع لم تصل الإنسانية إلى تقرير هذه الحرية إلا منذ عهد قريب؛ فكثيرًا ما كان الأفراد يجبرون على اعتناق عقائد معينة، ولا نزال نجد إلى اليوم أن حريّة العقيدة غير متوافرة في كثير من الدول المعاصرة؛ إذ يجبَر كثيرٌ من الأفراد على ترك دينهم، أو لا يسمح لهم بإقامة شعائرهم الدينية، ويلاقون كثيرًا من العنف والاضطهاد؛ بسبب حفاظهم على عقائدهم التي يؤمنون بها.