عمر بنصيبه أيضًا من هذه البرود كأي واحد من المسلمين، ولما لبس عمر قميصَه وصعد على المنبر يدعو الناس إلى الجهاد، ويطلب منهم السمع والطاعة، فقام إليه أحد المسلمين وقال:"لا سمع ولا طاعة" قال عمر: لم ذلك؟ قال:"لأنك استأثرت علينا" قال عمر: بأي شيء استأثرت؟ قال: "إن الأبراد اليمنية -يعني الملابس التي جاءتنا ووزعتها- لمّا فرّقتها حصل كل واحد من المسلمين على برد منها، وكذلك حصل لك -يعني أنت أخذت أيضًا مثلنا- لكن البرد الواحد لا يكفيك ثوبًا، ونراك قد فصلته قميصًا تامًّا، وأنت رجل طويل، فلو لم تكن قد أخذت أكثر منه لما جاءك منه قميص. فكأن هذا الرجل يعترض على عمر بن الخطاب ويقول له: أنت أخذت مثلنا قميص، كل واحد وزعت عليه قميص، والمفروض أنك أخذت قميص مثلنا، لكن القميص الذي أخذته لا يكفيك: فكيف لبسته الآن؟ معنى ذلك أنك أخذت أكثر منا، يتهم عمر بن الخطاب بذلك، وهو فرد من آحاد المسلمين، وهنا التفت عمر إلى ابنه عبد الله، وقال: يا عبد الله، أجبه عن كلامه. يعني رد على هذا الذي يتهمني أنني أخذت من الأقمشة أكثر منه وأكثر من المسلمين. يا عبد الله، أجبه عن كلامه. فقام عبد الله وقال: إن أمير المؤمنين عمر لمّا أراد تفصيل بردٍ لم يكفِه فناولته من بردي ما تممه به. يعني أنا أعطيت والدي عمر جزءًا من البرد الذي يخصني؛ ولذلك أصبح قميصًا كاملًا له. وهنا قال الرجل: أما الآن فالسمع والطاعة.
فالمسلمون قد مارسوا كل مظاهر الرقابة، ولقد اعترف عثمان بنفسه بحق المسلمين في ذلك -كما رأينا قبل ذلك- ولقد كان من نتيجة إعمال هذه الرقابة من علماء الأمة؛ أن تعرض الكثير منهم للقتل والتعذيب، ولم يكن القتل إلا نتيجة ممارستهم لواجب الرقابة، وما يقومون به من أقوال، وما يمارسونه من واجبات حتمها عليهم الشارع، يعني هذا العمل -وهو الرقابة على السلطات الحاكمة-