الله من سمع وبصر وغير ذلك من أسباب الحياة؛ ولذلك يقول -تبارك وتعالى-: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُون}.
القاعدة الثانية من القواعد التي أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرسيها في مكة، من أجل القضاء على هذه النظم القبلية البالية هي: تقرير فكرة البعث والحساب بعد الموت، حيث ينال الإنسان إما جنة الخلد أو عذاب النار حسب ما قدمت يداه في الحياة الدنيا لذلك يقول الله -تبارك وتعالى-: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة}(المدثر: ٣٨) ويقول تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى}(النجم: ٣٩ - ٤٠) ويقول تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}(عبس: ٣٤ - ٣٧).
فكما قلنا: هذه القاعدة تعني: تقرير فكرة البعث والحساب بعد الموت، حيث ينال الإنسان إما جنة الخلد أو عذاب النار، حسب ما قدمت يداه في الحياة الدنيا، واستهدفت هذه العقيدة الإطاحة بمفهومٍ بالٍ من مفاهيم الحياة القبلية، وإقرار مبدأ جديد للمجتمع الإسلامي الوليد، فمسئولية المرء في عقيدة البعث والحساب بعد الموت، مسئولية فردية حيث يجزى الإنسان بما كسبت يداه {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}(الزلزلة: ٧ - ٨) وأوضحت آيات القرآن الكريم بجلاء هذه المسئولية الفردية، على أساس أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأنه يوم القيامة لا يسأل والد عن ولده، ولا مولود هو جازٍ عن والده شيئًا، وأن كل إنسانٍ مسئول عن أعماله يوم القيامة.
ولذلك فهذه العقيدة هدمت دعوى الجاهلية القائمة على العصبية القبلية، والتي تقرر أن الفرد يؤخذ بجريرة غيره، على نحو ما تقرره عادة الثأر في القبيلة، وما اقترن بها من دعوة كل فرد من أفراد القبيلة إلى أن ينصر أخاه ظالمًا أم مظلومًا، وهذا معناه أن فكرة البعث والحساب تقرر المسئولية الفردية للإنسان، وأن كل إنسانٍ مسئول عن عمله {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}(المدثر: ٣٨) {وَأَنْ لَيْسَ