وفي اليوم التالي حاز هذا الإجراء الذي اتخذه المشركون في الصحيفة، حاز على موافقة الصحابة الذين لم يكونوا حاضري هذا الاجتماع، ثم إن الصحابة وإن كانوا قد اختلفوا بادئ الأمر في تعيين شخص الإمام، إلا أنّ هذا لا يقدح في اتفاقهم جميعًا على وجوب نصبه، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- قد خطب في الناس عقب موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقبل مبايعته خليفة قائلًا:"أيها الناس، من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}(آل عمران: من الآية: ١٤٤) ثم قال: "وإن محمدًا قد مضى لسبيله، ولا بد لهذا الأمر من قائم يقوم به، فانظروا وهاتوا آراءكم -رحمكم الله- فناداه الناس من كل جانب: صدقت يا أبا بكر، ولكنا نصبح فننظر في هذا الأمر، ونختار من يقوم به، ولم يوجد من الصحابة من يقول: إن هذا الأمر يصلح من غير قائم به.
البرهان الثاني أو الدليل الثاني:
نصب الإمام فيه دفع الضرر المظنون، يقول أصحاب هذا الرأي: إن في نصب الإمام دفعًا للضرر المظنون بعدم نصبه، ودفع الضرر المظنون واجب إجماعًا؛ فالنتيجة أن نصب الإمام واجب. فأما بيان نصب الإمام فيه دفع ضرر مظنون، فإن الناس لا يستطيعون العيش منفردين؛ لأن الإنسان اجتماعي بالطبع، لا يستطيع الحياة الكاملة بعيدًا عن أفراد جنسه، وإذا كان الناس لا يستطيعون الحياة إلا مجتمعين، وهم -كما قال العلماء- مع اختلاف الأهواء، وتشتت الآراء، وما بينهم من الشحناء، قلما ينقاد بعضهم لبعض، فيفضي ذلك إلى التنازع، وربما أدّى إلى هلاكهم جميعًا، ويشهد له التجربة والفتن القائمة عند موت الولاة إلى موضعٍ آخر، بحيث لو تمادى لعطِّلت المعايش وصار كل واحد مشغول بحفظ ماله ونفسه تحت قائم سيفه؛ وذلك يؤدي إلى رفع الدين وهلاك جميع المسلمين، ففي نصب الإمام دفع مضرة لا يتصور أعظم منها.