للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما تولى عمر بن الخطاب أمر المسلمين بعد أبي بكر مكث زمانًا لا يأخذ شيئا من مال المسلمين حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة -يعني: شدة- فاستشار الصحابة فيما يصلح له من هذا المال بعد أن اشتغل بمصالح المسلمين عن مصالح نفسه، فقال عثمان: كُل وأطعم، وقال علي: غداء وعشاء، فأخذ عمر بذلك، وكان يستنفق كل يوم درهمين له ولعياله، وأنه أنفق في حجته مائة وثمانين درهمًا فقال: قد أسرفنا في هذا المال.

وفي هذا نرى أنه من حق الخليفة أن يأخذ راتبًا من بيت المال ولو كان موسرا؛ وذلك لكونه قد احتبس نفسه لمصلحة المسلمين وأصبح مشغولًا بمصالحهم عن شئونه الخاصة، وهو في هذا كأي موظف آخر في الدولة ولو كان موسرًا، وأما امتناع علي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز عن الأخذ من بيت المال فهو لا يدل على المنع؛ لأن معناه أنهم تنازلوا عن حقوقهم، ولو أنهما أخذا من بيت المال ما كان عليهما من حرج؛ لأن أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- قد أخذا مخصصاتهما من بيت مال المسلمين وكانا مع ذلك من مياسير المسلمين؛ لأنه لا حرج في أن يأخذ الإنسان مقابل عمله، والخليفة كما ذكرنا ينشغل بأمور المسلمين عن شئونه الخاصة.

الرابع من حقوق الإمام:

من حقوق الإمام على الأمة أن تنصحه وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وتدعو له بالخير، فإن الدين النصيحة كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الدين النصيحة قالها ثلاثًا قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) ولقد امتن على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنها خير أمة لكونها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، يقول تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: من الآية: ١١٠).

<<  <   >  >>