ويعتبر الإسلام هذا التدرج الرئاسي اختبارًا لنا -رؤساء كنا أم مرءوسين- إذ يكشف عن مدى استخدامه في إصدار أوامر ملزمة، تحقق صالح الجماعة وأعضائها معًا، وإطاعة المرءوسين لهم بالتزام هذه الأوامر والعمل بمقتضاها، وهذا تنظيم فطري، يتوخى مصالح الجماعة والأفراد على السواء؛ إذ يشبع حاجات الأفراد عن طريق النشاطات البشرية الجماعية، التي يحكم تنظيمها ويحكمه هذا التدرج الرئاسي؛ ولذا يقول -سبحانه وتعالى-: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}(الأنعام: من الآية: ١٦٥) كما يقول -تبارك وتعالى-: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}(الزخرف: من الآية: ٣٢)، هذه الآيات تدل على التدرج.
ولكن إذا كانت فطرة الله تقضي برفع بعض الناس فوق بعض درجات -أي: في تدرج رئاسي- فهل يعني هذا التدرج أن هناك طبقات اجتماعية متميزة وممتازة؟ وهو ما يتنافى مع مبدأ المساواة الإسلامي الإنساني، الواقع أن هذا التدرج الرئاسي لا يستند إلى وضع طبقي تسلطي في المجتمع؛ بل يستند إلى العمل، وهو وحده مصدر القيمة الإنسانية -كما قلنا قبل ذلك- وإذ يتفاوت الأفراد -وهو أمر طبيعي- في المدارك والقدرات والقابليات، فإنهم سيتفاوتون بالتالي في مستويات العمل وأدائه؛ فالتدرج الرئاسي هنا يستند إلى تدرج الأعمال وتفاوتها، وهو ما بينه الله -تبارك تعالى- بقوله:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}(الأنعام: ١٣٢) وقوله -سبحانه وتعالى-: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}(الأحقاف: ١٩).
ولكن ما هو أساس تفاوتهم في أعمالهم؟ وبالتالي تدرجهم حسب هذه الأعمال؟