ومما يتصل أيضًا بالرقابة ومتابعة الإنجاز: وضع الضوابط والمعايير، إذ يدعوا الإسلام -كما سبقت الإشارة- إلى التزام الفكر، والسلوك السوي القويم، الذي لا يعرف إفراطًا، أو تفريطًا، ولا انحرافًا، أو تطرفًا، مما يقتضي تنظيم وتقنين النشاطات البشرية، وفق ضوابط معينة، ومعايير محددة معلومة، يلتزمها الأفراد، وتجري مساءلتهم على مقتضاها؛ ولذلك يتعين وضع ضوابط ومعايير إنجاز توزن الأعمال، ويقوم العاملون على أساسها بموجب تقارير نشاط، وهو ما تستند إليه الرقابة والمتابعة وفق أحدث أصولها العلمية، وأساليبها الفنية.
ولنا في توجيهات القرآن الحكيم خير مرشد في هذا الصدد؛ فالله خلق الكون، وأبدع صنعه، وأحكم تسييره، وفق ضوابط دقيقة قدرها، إذ يقول سبحانه:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر: ٤٩) ويقول تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}(الفرقان: من الآية: ٢) ويقول تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرا}(الطلاق: من الآية: ٣) ويقول تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}(الحجر: ٢١) ويقول -تبارك وتعالى-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(يونس: ٥) ويقول -تبارك وتعالى-: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}(يس: ٣٩، ٤٠).
فالله سبحانه يرشدنًا في الآيات السابقة إلى أنه جرى في خلقه للكون وتسييره له وفق معايير محددة؛ وضوابط معينة، قدرها، وقررها، ومن ثَمَّ كان خليق بنا في ضوء هذا التوجيه الإلهي أن نسير في فكرنا وسلوكنا على نحو رشيد، وفق أصول وضوابط، يهدي إليها العقل السليم.