من أولى الأمور التي نتحدث عنها فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية هي: الأمانة والعدالة؛ فالأفراد أمناء على ما يعهد إليهم بمباشرته من أعمال -أي: وظائف وحرف- فالموظف مؤتمن على مصالح الجمهور الذي يتعامل معه؛ مؤتمن على ما تحت يده من أموال، وما في عهدته من من أصناف السلع والمواد؛ مؤتمن على صحة ما يعرضه من بيانات ومعلومات وأراء على الرؤساء؛ مؤتمن على مرءوسيه بإسداء النصح والتوجيه السديد إليهم، وتعهدهم بما يلزمهم من مران وتدريب، وتوخي العدالة في معاملتهم، وفي تقييمهم، وتقويمهم.
والعامل مؤتمن على الآلة التي يديرها، وعلى الأدوات والخامات التي يستخدمها؛ لذلك تشدد الإسلام في الأمر بأداء الأمانة، وتوخي العدالة، إذ يقول سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}(النساء: ٥٨) ويصف الله المؤمنين فيقول- سبحانه وتعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}(المؤمنون: ٨) ويقول -تبارك وتعالى-: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}(القصص: من الآية: ٢٦).
أما الهدي النبوي في هذا الصدد فيتمثل في قول الإمام علي:((كنا جلوسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقبل علينا رجل من أهل العالية -والعالية: اسم مكان- فقال: أخبرني يا محمد، عن أشد شيء في هذا الدين وألينه، فقال: يا أخا العالية، ألين شيء في هذا الدين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأشده يا أخا العالية: الأمانة، ألا إنه لا دين لمن لا أمانة له، وإن صام وصلى)) والغش بكافة صوره وأنواعه يتنافى مع الأمانة كإخفاء عيوب المعروضات، وإظهار محاسنها، وقد مر النبي -صلى الله عليه وسلم- برجل يبيع الطعام، فأعجبه ظاهره، فأدخل يده فيه، فوجد فيه بللًا فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته