-عليه الصلاة والسلام- منذ جهر بالدعوة إلى الإسلام, أدرك أهمية التنظيم الإداري لأبناء المجتمع الإسلامي الجديد, وضرورة تنسيق العمل بينه -عليه الصلاة والسلام- وبين القائمين على هذا التنظيم الهام؛ من أجل تبليغ الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة, وظهرت طلائع هذا التنظيم الجديد منذ بيعة العقبة الثانية, التي حضر فيها وفد من أهل يثرب إلى مكة, في العام السابق من هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ولمَّا كان هذا الوفد يتألف من مجموعة كبيرة عددها ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان, رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرورة وضع نظام لهم باعتبارهم نواة المجتمع الجديد, وليحافظ على سلامة هذا المجتمع وتنسيق العمل بين أفراده في سبيل نشر الدعوة الإسلامية, وشرَح الرسول الكريم لأعضاء وفد يثرب نظامه, وأهميته, حيث قال لهم قبل عودتهم إلى يثرب:((أخرجوا إليًّ منكم اثنى عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم)) فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا, تسعة من الخزرج, وثلاثة من الأوس, وعندئذ خاطب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أولئك النقباء, أو رجال النظام الإداري الأول في الإسلام, موضحًا لهم أسلوب العمل قائلًا: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء, ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم, وأنا كفيل على قومي.
وحقق هذا التنظيم الإداري المبكر أولى ثماره الرائعة, في إعداد العدة لهجر الرسول إلى يثرب, ثم تهيئة الجو لنجاحها, برغم كيد الكفار, وسعة تدبيرهم, وبدأت بانتقال الرسول الكريم إلى يثرب مرحلة جديدة للتنظيم الإداري, من أجل التفرغ لأداء رسالته الدينية, ورفع قواعد المجتمع الإسلامي الوليد, ودولته الناشئة, وتجلت معامل هذا التنظيم الإداري في الصحيفة التي عقدها الرسول