وبمعنى آخر: فإن هذه الآية تبين أن اختلاف الناس شعوبًا وقبائل لم يكن ليتقاتلوا، أو يختلفوا، ولكن ليتعارفوا، ويتعاونوا، وهذا التعارف يجعل كل فريق ينتفع بخير ما عند الفريق الآخر، وتكون خيرات الأرض كلها لابن هذه الأرض وهو الإنسان، وهذا لا يتحقق إلا بالتعاون والتعارف الإنساني.
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- مقررًا هذا الأصل:((إن الله -عز وجل- قد أذهب عنكم حمية الجاهلية، والفخر بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب)).
ثم كان هناك أيضًا وحدة التكاليف: الوحدة الإنسانية تقتضي وحدة التكاليف؛ لأنه لما كان الإسلام دعوة عالمية، فإنه بشأن التكاليف تتجه أوامر القرآن ونواهيه إلى الناس كافة، فلا تختص بها أمة دون أمة، أو جنس دون جنس، بل يطالب بهذه الأوامر جميع الأجناس والطوائف، دون نظر إلى ما بينهم من فوارق شخصية: كذكورة وأنوثة، وبياض وسواد؛ أو فروق اجتماعية: كرئاسة ومرءوسية، وحاكمية ومحكومية، وغنى وفقر، وفي هذا المعنى يقول الله -تبارك وتعالى-: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}(النساء: ١٢٣).
فالجميع على مستوى من المسئولية أمام الله، وأمام المجتمع.
ومما تجب ملاحظته أن الوحدة الإنسانية تقتضي وحدة التكاليف لجميع البشر؛ فالله -سبحانه وتعالى- أمر الناس جميعًا بالتقوى، والإذعان لدينه، فالتكاليف الشرعية واحدة لجميع البشر، وذلك واضح في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}(النساء: من الآية: ١) والرسالة المحمدية رسالة عالمية، دعوة إلى جميع الإنسانية لهداية الناس جميعًا.