يحاجج قومه، ويناقض عقولهم بالدليل لا بالإكراه؛ فيقول:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}(هود: ٢٨) ثم استمِع إلى قوم عاد وهم يقولون لنبيهم: {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}(هود: ٥٣) ولذا يتجه هود إلى ربه قائلًا: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ}(هود: من الآية: ٥٦).
ثم استمِع إلى إبراهيم- عليه السلام- وهو يحاجج أباه في لطف ولين حيث يقول له:{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}(مريم: ٤٢ - ٤٦) ثم يرد النبي العطوف قائلًا لأبيه: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}(مريم: ٤٧، ٤٨).
هذا هو نهي الأنبياء، وهو نهي سيد المرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول الله تعالى على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}(يوسف: ١٠٨).
ومن الخصائص أيضًا أن صاحب الدعوة الإسلام -محمد صلى الله عليه وسلم- ليس مسئولًا أمام الحق -جل وعلا- أو أمام الخلق إلا عن بيان ما نزل به الوحي، وهي مهمة التبليغ والإنذار، قال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ