وفي ذلك يقول الله تعالى:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(المائدة: الآية: ٨ أي: لا يحملنكم عداوة قوم على أن لا تعدلوا في حكمكم فيهم، وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة؛ يقول الطبري: يعني -جل ثناؤه- بقوله:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أي: اعتدلوا أيها المؤمنون على أحد من الناس، وليًّا كان لكم، أو عدوًّا، فاحملوهم على ما أمرتكم أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا بأحد منهم، والعدل عليهم أيها المؤمنون أقرب لكم إلى أن تكونوا باستعمالكم إياه من أهل التقوى.
وإنما وصف -جل ثناؤه- العدل بما وصفه به من أنه أقرب للتقوى من الجور؛ لأن مَن كان عادلًا كان بعدله مطيعًا، ومن كان لله مطيعًا كان لا شك من أهل التقوى، ومن كان جائرًا كان لله عاصيًا، ومن كان لله عاصيًا كان بعيدًا عن تقوى الله، ويأمر الله تعالى بالعدل حتى ولو كان الخصوم كفارًا، يقول سبحانه:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (المائدة: ٤٢) فقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} أي: بالعدل، وذلك هو الحكم بما جعله الله حكمًا في مثله على جميع خلقه من أمة نبينا -صلى الله عليه وسلم- فالله تعالى يحب المقسطين -أي: العادلين في حكمهم بين الناس- القاضين بينهم بحكم الله الذي أنزله في كتابه.
ومما تجب ملاحظته أن العدل الذي جاءت به الشريعة: إنما هو عدل مطلق؛ تسعد به البشرية في شتى مجالات الحياة، يقول ابن القيم عن الشريعة: وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن