أن السبيل لاستقرار السلام هو معاهدات الأمان، وعدم الاعتداء، وأن المعاهدات لا تستمد قوتها من نصوصها، بل من عزيمة عاقديها على الوفاء؛ ولذلك حث القرآن على الوفاء، واعتبر الوفاء بالعهد والميثاق قوة، والنكث فيه أخذًا في أسباب الضعف.
وأن مَن يوثق عهده بيمين الله فقد اتخذ الله كفيلًا بوفائه، فإذا غدر بعهده فقد اتخذ عهد الله للغش وزيف القول، وأنه لا يصح أن يكون الباعث على الغدر بين الدول هو الرغبة في أن تكون أمة أقوى مالًا، وعُدة، وأكثر عددًا، وأوسع رقعة من أمة أخرى.
ولقد بين الله أن الوفاء بالعهود هو المقصد الأساسي والأسمى الذي يتجه إليه المؤمنون؛ لتحقيق معنى الوحدة الإنسانية بإرادته واختياره، ويتحقق ما أراده الله تعالى الذي لو شاء لجعل الناس لا يختلفون أبدًا، ولكن كان الاختلاف؛ ليختبر الله الإرادات الإنسانية في تنفيذ ما يأمر به سبحانه.
وإذا كان القرآن الكريم يدعو المؤمنين إلى تقوية العهود، وتنفيذها، وتحقيق الأمن بين الناس بها فإن النبي -صلى الله عليه وسلم وهو مبلغ رسالة القرآن- قد حث أيضًا على الوفاء بالعهود؛ فعن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((إن الغادر ينصب له يوم القيامة لواء فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان)) وروي عن الحسن بن علي بن أبي رافع، أن أبا رافع أخبره قال: ((بعثتني قريش إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلم رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألقى الله -تبارك وتعالى- في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبدًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني لا أخيس بالعهد -يعني: لا أنقض العهد- ولا أخيس البرد -يعني: لا أنقض، ولا أقتل الرسل- ولكن ارجع -يعني: