جاء إقرار هذا النظام -الذي هو نظام الجزية- على القادرين فقط من الذكور من دون المسنين، والنساء، والأطفال، وهو شرط إسلامي يبيح لأهل الكتاب التمتع بحقوق المواطنة في الدولة الجديدة مقابل حمايتهم، وإعفائهم من الخدمة العسكرية؛ إذ لما كان الهدف الأول للدولة هو نشر الدين الإسلامي، ولما كان الدين الجديد يعترف بالأديان السماوية من اليهودية، والمسيحية، فلم يكن من العدل إلزامهم بالانخراط في سلك الجيش الخاص بالدولة الجديدة، وصارت الجزية الشرط الجديد الذي حل محل العهود والمواثيق من أجل الحصول رسميًا على حقوق المواطنة لأهل الكتاب من سكان الدولة الإسلامية الفتية.
وجاء الشطر الثاني من التعديل الأخير في النظام السياسي خاصًّا بغير أهل الكتاب من القبائل العربية؛ إذ تقرر اعتبار الدخول في الدين الإسلامي هو الشرط الأول، والأساسي للحصول على حقوق المواطنة في الدولة الجديدة، وعلى هذا لم يعد للوثنية مجال للبقاء، بعد أن ثبت ضررها وفسادها، وبعد أن تم تطهير الكعبة من الأصنام -رمز الشرك، وعنون الاستغلال للنظم القبلية، ومفاهيمها العمياء.
وتقرر في نفس الوقت عدم السماح للمشركين بالحج إلى مكة؛ لأن هذه الفريضة صارت عنوانًا على علو كلمة الدين الجديد، وأنه صار الأساس المتين للدولة الناهضة وسيادتها، يقول -تبارك وتعالى-: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَات عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}(الحج: ٢٧، ٢٨، ٢٩).