وقد مرت المعاهدات بمراحل في العهد النبوي تشبه المراحل التي تعقد بها المعاهدات في العصر الحديث، والبحث يتناول ما يأتي من شئون المعاهدة:
أولًا: كيفية إبرام المعاهدة، أو شكل المعاهدة: لم تكن المعاهدة في الإسلام تخضع لتنظيم إجرائيٍ معين -كما هو مطلوب اليوم قانونا بين الدول- لأن جوهر المعاهدة يحدد بإرادة الأطراف الحرة، ولكن لا مانع شرعًا في تقديري من اتباع المراسم الشكلية الحديثة؛ لأن المعول عليه هو المضمون الموضوعي، وقد اشترط الفقهاء المسلمون ضرورة إقرار الخليفة، أو الإمام لعقود الصلح المعقودة بواسطة قائد حربي غير مفوض لإبرام الصلح، وكان المفوض بالصلح يبلغ الخليفة بما تم فيقره على فعله إذا كانت شروط المعاهدة شرعية، كما حدث في عقود الصلح التي أبرمها أبو عبيدة بن الجراح في الشام، وغيره من القادة، وكانوا يبلغون به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
فإن تولى الخليفة نفسه عقد المعاهدة -كما فعل عمر مع مصالحة أهل بيت المقدس- نفذ الصلح على المسلمين؛ لأن الخليفة ممثل الأمة، ونائبها في إبرام المعاهدة، وحرصًا على المعاهدة وتقديمها؛ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر بكتابة جميع المحالفات، والمعاهدات بإثبات الاتفاق، وتنفيذ شروط المعاهدة، كما حدث في كتابة أول معاهدة سياسية في المدينة مع اليهود، وكما حصل فعلًا في كتابة صلح الحديبية التي سبقت بمفاوضاته عن طريق الرسل، والسفراء من الجانبين.
وتبتدئ حالة السلام بمجرد الانتهاء من العقد والاتفاق على شروط المعاهدة، وليس بعد إعلان المعاهدة رسميًا، وتبادل التصديقات كما يقضي القانون الدولي المعاصر.
وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يشهد على المعاهدة، كما فعل في صلح الحديبية؛ حيث أشهد على الصلح رجالًا من المسلمين، ورجالًا من المشركين لتوثيق المعاهدة، ولا مانع