الأمور فيما بعد، ويبدو أن الخليفة عثمان -رضي الله عنه- آثر أن يترك أمر القضاء في الأمصار للولاة أنفسهم.
رابعًا: وإذا نظرنا إلى القضاء في عهد علي -أي: أننا ننتقل الآن إلى النظر في القضاء في عهد علي -رضي الله عنه- فنقول: مع علم علي وغزارته من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بقوله:((اللهم علمه القضاء)) ومع إجماع صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن عليًا أقضاهم، فإن القضاء في خلافته لم يحظ بالكثير من عنايته ورعايته بسبب الأحوال السياسة المضطربة، والفتن التي ظهرت في عهد آنذاك مما كان سببًا في انصراف علي -رضي الله عنه- عن العناية بالأحوال التنظيمية للأمصار والتوفر على العناية الكاملة بأمر القضاء بصفة خاصة، ومع ذلك لم تمنعه هذه الظروف القاسية من الاهتمام بأمر القضاء والاشتغال به، فقد كان يجلس بنفسه للحكم والقضاء بين الناس كما كان يعهد به إلى الممتازين من ذوي الكفاءات، وقد ترك علي -رضي الله عنه- أمر اختيار القضاة للولاة أنفسهم الذين عينهم على الأمصار بعد خلافته، فقد عزل معظم الولاة الذين كانوا في عهد عثمان وولى غيرهم، وقد فصل علي -رضي الله عنه- القضاء عن الولاية كما فعل عمر -رضي الله عنه- وإن فوض الولاة في تعيين القضاة، واختيارهم من أفضل العناصر التي تصلح للقضاء دون أن يحكمهم بأنفسهم في قضايا الناس لضمان العدالة في القضاء بين الناس.
خامسًا: ثم نتكلم الآن عن القضاء في عهد الأموي فنقول: في عهد خلافة بني أمية لم يختلف القضاء كثيرًا في هذه المرحلة عن المراحل السابقة له، وبخاصة عصر عمر من ناحية السلطة القضائية، وتنظم القضاء، واختيار أفضل العناصر لتولي مناصب القضاء، كما أن السلطة القضائية كانت منفصلة عن السلطة السياسية والسلطة التنفيذية، وكان القاضي في حكمه يتبع