٤ - إذا أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر، أي: إذا أرخ أحدهما دعوته، ولم يؤرخ الآخر دعوته، ففي هذه الحالة يقضى للخارج، يعني: غير الحائز عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن الملك المطلق يحتمل التأخير والسبق؛ لجواز أن صاحب البينة المطلقة لو وقت بينته كان وقتها أسبق فوقع الاحتمال في سبق الملك المؤقت، وإذا حصل الاحتمال في شيء سقط اعتباره فيسقط اعتبار الوقت، وتبقى الدعوى دعوى ملك المطلق فيقضي للخارج.
وقال أبو يوسف يقضى لصاحب البينة المؤرخة؛ لأن بينة صاحب الوقت أظهرت الملك له في وقت معين خاص به، لا يعارضها فيه بينة مدعي الملك المطلق بيقين، بل تحتمل بينته المعارضة وعدمها، والمعارضة لا تثبت بالشك، فبقيت بينة صاحب التاريخ سالمة عن المعارضة، فيقضى له.
هذا هو التفصيل الذي ذهب إليه الأحناف والحنابلة.
وننظر الآن إلى ما ذهب إليه المالكية والشافعية في هذا الموضوع، فنقول: ذهب المالكية والشافعية في هذه الصور المتعددة إلى: أنه تقدم بينة صاحب اليد -أي: الحائز- وتسمى بينة الداخل، قال: تقدم بينته على الإطلاق دون نظر إلى ما إذا كانت هذه الدعوى مؤرخة أو غير مؤرخة، وما إذا كانت مؤرخة، وأحدها سبق الآخر أم لا، قالوا: تقدم بينة صاحب اليد، وتسمى بينة الداخل على الإطلاق؛ لأنهما استويا في إقامة البينة، فتعارضت البينتان، وترجحت بينة صاحب اليد بيده، أي: بحيازته، كترجيح أحد الحديثين المتعارضين بالقياس، فيقضى بالشيء لصاحب اليد، وأيضًا: لأن بينة المدعى عليه تفيد معنًى زائدًا على كون الشيء المدعي فيه موجودًا بيده، ولأن جانب المدعى عليه أقوى استصحابًا للأصل، فالأصل معه، وهو بقاء ما كان على ما كان، ويمينه تقدم على يمين المدعي، فإذا تعارضت البينتان وجب إيفاء أو إبقاء يد صاحب اليد على ما كانت عليه، ويقدم هو كما لو لم تكن بينة لأحد المتنازعين، ويؤيد هذا