للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال قائل: فقد بلغنا عن جماعة من السلف أنهم كانوا يسردون الصوم فالجواب، أنهم كانوا يقدرون على الجمع بين ذلك وبين القيام بحقوق العائلة ولعل أكثرهم لم تكن له عائلة ولا حاجة إلى الكسب، ثم أن فيهم من فعل هذا في آخر عمره على أن قول رسول الله ، لا أفضل من ذلك قطع هذا الحديث.

وقد داوم جماعة من القدماء على الصوم مع خشونة المطعم وقلته ومنهم من ذهبت عينه، ومنهم من نشف دماغه، وهذا تفريط في حق النفس الواجب وحمل عليها ما لا تطيق فلا يجوز.

فصل

وقد يشيع عن المتعبد أنه يصوم الدهر فيعلم بشياع ذلك فلا يفطر أصلا وإن أفطر أخفى إفطاره لئلا ينكسر جاهه وهذا من خفي الرياء، ولو أراد الإخلاص وستر الحال لأفطر بين يدي من قد علم أنه يصوم ثم عاد إلى الصوم ولم يعلم به، ومنهم من يخبر بما قد صام فيقول اليوم منذ عشرين سنة ما أفطرت، ويلبس عليه بأنك إنما تخبر ليقتدي بك والله أعلم بالمقاصد.

قال سفيان الثوري : إن العبد ليعمل العمل في السر فلا يزال به الشيطان حتى يتحدث به فينتقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية وفيهم من عادته صوم الإثنين والخميس فإذا دعي إلى طعام، قال: اليوم الخميس، ولو قال أنا صائم كانت محنة وإنما قوله اليوم الخميس معناه أني أصوم كل خميس، وفي هؤلاء من يرى الناس بعين الاحتقار لكونه صائما وهم مفطرون، ومنهم من يلازم الصوم ولا يبالي على ماذا أفطر، ولا يتحاشى في صومه عن غيبة ولا عن نظرة ولا عن فضول كلمة وقد خيل له إبليس أن صومك يدفع إثمك وكل هذا من التلبيس.

<<  <   >  >>