وفراق الوالد والوالدة في مثل هذا عقوق والعقوق من الكبائر، وأما من سمع عنه أنه خرج إلى جبل فأحوالهم تحتمل أنهم لم يكن لهم عيال ولا والد ولا والدة فخرجوا إلى مكان يتعبدون فيه مجتمعين، ومن لم يحتمل حالهم وجها صحيحا فهم على الخطأ من كانوا، وقد قال بعض السلف: خرجنا إلى جبل نتعبد فجاءنا سفيان الثوري فردنا.
تلبيسه على الزهاد
ومن تلبيسه على الزهاد: إعراضهم عن العلم شغلا بالزهد فقد استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير وبيان ذلك: أن الزاهد لا يتعدى نفعه عتبة بابه والعالم نفعه متعد.
وكم قد رد إلى الصواب من متعبد.
فصل
ومن تلبيسه عليهم: أنه يوهمهم أن الزهد ترك المباحات
فمنهم من لا يزيد على خبز الشعير، ومنهم من لا يذوق الفاكهة، ومنهم من يقلل المطعم حتى ييبس بدنه ويعذب نفسه بلبس الصوف ويمنعها الماء البارد وما هذه طريقة الرسول ﷺ ولا طريق أصحابه وأتباعهم.
وإنما كانوا يجوعون إذا لم يجدوا شيئا فإذا وجدوا أكلوا.
وقد كان رسول الله ﷺ يأكل اللحم ويحبه ويأكل الدجاج ويحب الحلوى ويستعذب له الماء البارد، ويختار الماء البائت فإن الماء الجاري يؤذي المعدة ولا يروي.
وقد كان رجل يقول: أنا لا آكل الخبيص لأني لا أقوم بشكره، فقال الحسن البصري: هذا رجل أحمق وهل يقوم بشكر الماء البارد.
وقد كان سفيان الثوري إذا سافر حمل في سفرته اللحم المشوي والفالوذج.
وينبغي للإنسان أن يعلم أن نفسه مطيته ولا بد من الرفق بها ليصل بها إلى المقصود فليأخذ ما يصلحها وليترك ما يؤذيها من الشبع والإفراط في تناول الشهوات فإن ذلك يؤذي البدن والدين.