للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فصل)

قال المصنف : وهذا الذي نهينا عنه من التقلل الزائد في الحد، قد انعكس في صوفية زماننا فصارت همتهم في المأكل كما كانت همة متقدميهم في الجوع.

لهم الغذاء والعشاء والحلوى، وكل ذلك أو أكثره حاصل من أموال وسخة، وقد تركوا كسب الدنيا، وأعرضوا عن التعبد وافترشوا فراش البطالة، فلا همة لأكثرهم إلا الأكل واللعب.

فإن أحسن محسن منهم قالوا: طرح شكرا.

وإن أساء مسيء، قالوا: استغفر.

ويسمون ما يلزمه إياه واجبا.

وتسمية ما لم يسمه الشرع واجبا جناية عليه.

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز نا أحمد بن علي بن ثابت نا محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد الحافظ النيسابوري ثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ثنا أحمد بن سلمة ثنا محمد بن عبدوس السراج البغدادي، قال: قام أبو مرحوم القاضي بالبصرة يقص على الناس فأبكى فلما فرغ من قصصه قال من يطعمنا إرزة في الله فقام شاب من المجلس فقال أنا فقال اجلس يرحمك الله فقد عرفنا موضعك ثم قام الثانية ذلك الشاب فقال اجلس فقد عرفنا موضعك فقام الثالثة فقال أبو مرحوم لأصحابه قوموا بنا إليه فقاموا معه فأتوا منزله قال فأتينا بقدر من باقلاء فأكلنا بلا ملح ثم قال أبو مرحوم علي بخوان خماسي وخمس مكاكيك أرز، وخمسة أمنان سمن، وعشرة أمنان سكر، وخمسة أمنان صنوبر، وخمسة أمنان فستق، فجيء بها كلها.

فقال أبو مرحوم لأصحابه: يا إخواني كيف أصبحت الدنيا؟ قالوا: مشرق لونها، مبيضة شمسها، أخرقوا فيها أنهارها.

قال فأتى بذلك السمن فأجرى فيها ثم أقبل أبو مرحوم على أصحابه فقال يا إخواني كيف أصبحت الدنيا، قالوا مشرق لونها، مبيضة شمسها، مجراة فيها أنهارها فقال يا إخواني اغرسوا فيها أشجارها قال فأتى بذلك الفستق والصنوبر، فألقى فيها ثم أقبل أبو مرحوم على أصحابه فقال: يا إخواني كيف أصبحت الدنيا، قالوا: مشرق لونها، مبيض شمسها، مجرى فيها أنهارها، وقد غرست فيها أشجارها، وقد تدلت لنا ثمارها، قال: يا إخواني ارموا الدنيا بحجارتها قال: فأتى بذلك السكر فألقى فيها، ثم أقبل أبو مرحوم على أصحابه، فقال: يا إخواني كيف

<<  <   >  >>