أتذكر وقتنا وقد اجتمعنا … على طيب السماع إلى الصباح
ودارت بيننا كأس الأغاني … فأسكرت النفوس بغير راح
فلم نر فيهم إلا نشاوى … سرورا والسرور هناك صاحي
إذا لبى أخو اللذات فيهم … نادي اللهو حي على الفلاح
ولم نملك سوى المهجات شيئا … أرقناها لألحاظ ملاح
قال: فإذا كان السماع تأثيره في قلوبهم ما ذكره هذا القائل فكيف يجدي السماع نفعا أو يفيد فائدة.
قال ابن عقيل قول من قال لا أخاف من رؤية الصور المستحسنة ليس بشيء.
فإن الشريعة جاءت عامة الخطاب لا تميز الأشخاص.
وآيات القرآن تنكر هذه الداعوى قال الله تعالى: ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم﴾.
وقال: ﴿أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت﴾ فلم يحل النظر إلا على صور لا ميل للنفس إليها ولاحظ فيها بل عبرة لا يمازجها شهوة.
ولا تعتريها لذة فأما صور الشهوات فإنها تعبر عن العبرة بالشهوة وكل صورة ليست بعبرة لا ينبغي أن ينظر إليها لأنها قد تكون سببا للفتنة.
ولذلك ما بعث الله تعالى امرأة بالرسالة ولا جعلها قاضيا ولا إماما ولا مؤذنا.
كل ذلك لأنها محل فتنة وشهوة وربما قطعت عما قصدته الشريعة بالنظر وكل من قال أنا أجد من الصور المستحسنة عبرا كذبناه.
وكل من ميز نفسه بطبيعة تخرجه عن طباعنا بالدعوى كذبناه وإنما هذه خدع الشيطان للمدعين.
[القسم الخامس قوم صحبوا المردان ومنعوا أنفسهم من الفواحش]
يعتقدون ذلك مجاهدة وما يعلمون أن نفس صحبتهم والنظر إليهم بشهوة معصية وهذه من خلال الصوفية المذمومات وقد كان قدماؤهم على غير هذا وقيل كانوا على هذا بدليل وهو ما أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنشدنا أبو علي الروزباري:
أنزه في روض المحاسن مقلتي … وأمنع نفسي أن تنال محرما
وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه … على الجبل الصلد الأصم تهدما