للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأتى على مسح فوضع بين يديه، فأخذ يأكل منه وكان يصوم النهار ولا يفطر، فوقف عليه الملك فسلم عليه فأجابه بإجابة خفية وأقبل على طعامه يأكله، فقال الملك: أين الرجل؟ فقيل له: هو هذا.

قال: هذا الذي يأكل؟ قالوا: نعم.

قال: فما عند هذا من خير.

فأدبر، فقال الرجل: الحمد لله الذي صرفك عني بما صرفك به.

وفي رواية أخرى عن وهب، أنه لما أقبل الملك قدم الرجل طعامه فجعل يجمع البقول في اللقمة الكبيرة ويغمسها في الزيت فيأكل أكلا عنيفا.

فقال له الملك: كيف أنت يا فلان؟ فقال: كالناس.

فرد الملك عنان دابته وقال: ما في هذا من خير.

فقال: الحمد لله الذي أذهبه عني وهو لائم لي.

وبإسناد عن عطاء قال: أراد أبو الوليد بن عبد الملك أن يولي يزيد بن مرثد فبلغ ذلك يزيد فلبس فروة فجعل الجلد على ظهره والصوف خارجا وأخذ بيده رغيفا وعرقا وخرج بلا رداء ولا قلنسوة ولا نعل ولا خف فجعل يمشي في الأسواق ويأكل.

فقيل للوليد: إن يزيد قد اختلط وأخبر بما فعل فتركه ومثل هذا كثير.

فصل

ومن الزهاد من يستعمل الزهد ظاهرا وباطنا، لكنه قد علم أنه لا بد أن يتحدث بتركه للدنيا أصحابه أو زوجته.

فيهون عليه الصبر كما هان على الراهب الذي ذكرنا قصته مع إبراهيم بن أدهم.

ولو أراد الإخلاص في زهده لأكل مع أهله قدر ما ينمحي به جاه النفس ويقطع الحديث عنه فقد كان داود بن أبي هند، صام عشرين سنة ولم يعلم به أهله. كان يأخذ غذاءه ويخرج إلى السوق فيتصدق به في الطريق، فأهل السوق يظنون أنه قد أكل في البيت، وأهل البيت يظنون أنه قد أكل في السوق هكذا كان الناس.

<<  <   >  >>