للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ناس من أصحاب رسول الله : إنا نخاف على عبد الرحمن فيما ترك، قال كعب: سبحان الله، وما تخافون على عبد الرحمن، كسب طيبا وأنفق طيبا.

فبلغ ذلك أبا ذر فخرج مغضبا يريد كعبا فمر بلحى بعير فأخذه بيده ثم انطلق يطلب كعبا فقيل لكعب إن أبا ذر طلبك فخرج هاربا حتى دخل على عثمان يستغيث به، وأخبره الخبر، فأقبل أبو ذر يقتص الأثر في طلب كعب حتى انتهى إلى دار عثمان فلما دخل قام كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي ذر، فقال له أبو ذر: هيه يا ابن اليهودية، تزعم أنه لا بأس بما ترك عبد الرحمن بن عوف، لقد خرج رسول الله يوما فقال الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا ثم قال: يا أبا ذر وأنت تريد الأكثر وأنا أريد الأقل فرسول الله يريد هذا وأنت تقول يا ابن اليهودية لا بأس بما ترك عبد الرحمن بن عوف.

كذبت وكذب من قال بقولك، فلم يرد عليه حرفا حتى خرج.

قال الحارث: فهذا عبد الرحمن مع فضله يوقف في عرصة القيامة بسبب مال كسبه من حلال التعفف ولصنائع المعروف فيمنع من السعي إلى الجنة مع فقراء المهاجرين وصار يحبو في آثارهم حبوا.

وقد كان الصحابة إذا لم يكن عندهم شيء فرحوا وأنت تدخر المال وتجمعه خوفا من الفقر وذلك من سوء الظن بالله وقلة اليقين بضمانه وكفى به دائما، وعساك تجمع المال لنعيم الدنيا وزهرتها ولذاتها وقد بلغنا أن رسول الله قال: «من أسف على دنيا فاتته قرب من النار مسيرة سنة».

وأنت تأسف على ما فاتك غير مكترث بقربك من عذاب الله ﷿.

ويحك هل تجد في دهرك من الحلال كما وجدت الصحابة وأين الحلال فتجمعه.

ويحك إني لك ناصح أرى لك أنك تقنع بالبلغة ولا تجمع المال لأعمال البر، فقد سئل بعض أهل العلم عن الرجل يجمع المال لأعمال البر فقال تركه أبر منه.

وبلغنا أن بعض خيار التابعين سئل عن رجلين أحدهما طلب الدنيا حلالا فأصابها فوصل بها رحمه وقدم منها لنفسه والآخر جانبها ولم يطلبها ولم يبذلها فأيهما

<<  <   >  >>