كسر رجل نفسه ثم فرح بهذه المصيبة كان نهاية في الحماقة ثم تركه السؤال وقت الاضطرار وحمله على النفس في شدة المجاعة حتى سالت عينه ثم يسمي هذا تورعا حماقات زهاد أكبرها الجهل والبعد عن العلم.
وقد أخبرنا محمد بن أبي القاسم نا حمد بن أحمد نا أبو نعيم الحافظ ثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن العباس بن أيوب الأصفهاني ثنا عبد الرحمن بن يوسف الرقي ثنا مطرف بن مازن عن سفيان الثوري قال: من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار.
قال المصنف ﵀: فانظر إلى كلام الفقهاء ما أحسنه.
ووجهه أن الله تعالى قد جعل للجائع مكنة التسبب فإذا عدم الأسباب الظاهرة فله قدرة السؤال التي هي كسب مثله في تلك الحال فإذا تركه فقد فرط في حق نفسه التي هي وديعة عنده فاستحق العقاب.
وقد روى لنا في ذهاب عين هذا الرجل ما هو أظرف مما ذكرنا فأخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد ثنا حمد بن أحمد الحداد ثنا أبو نعيم قال سمعت أبا أحمد القلانسي يقول: قال أبو علي الروزباري يحكي عن أبي بكر الدقاق قال: استضفت حيا من العرب فرأيت جارية حسناء.
فنظرت إليها فقلعت عيني التي نظرت بها إليها.
قلت مثلك من نظر لله.
قال المصنف ﵀: قلت، فانظروا إلى جهل هذا المسكين بالشريعة والبعد عنها لأنه إن كان نظر إليها عن غير تعمد فلا إثم عليه وإن تعمد فقد أتى صغيرة قد كان يكفيه منها الندم.
فضم إليها كبيرة وهي قلع عينه ولم يتب عنها لأنه اعتقد قلعها قربة إلى الله سبحانه ومن اعتقد المحظور قربة فقد انتهى خطؤه إلى الغاية ولعله سمع تلك الحكاية عن بعض بني إسرائيل أنه نظر إلى امرأة فقلع عينه وتلك مه بعد صحتها ربما جازت في شريعتهم.
فأما شريعتنا فقد حرمت هذا، وكأن هؤلاء القوم ابتكروا شريعة سموها بالتصوف وتركوا شريعة نبيهم محمد ﷺ نعوذ بالله من تلبيس إبليس.