للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفتنة، ومالي في الإمارة من راحة، ولكن قُلِّدتُ أمراً عظيماً مالي به من طاقة، ولا يد إلا بتقوية الله عز وجل، ولوددتُ أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم" (١).

فما أعظمها من مشاعر، وما أرفع صاحبها وأوعاه بحق الله تعالى وحقوق الرعية، وما أعمق تدينه وأحسن توكله، وأجمل تواضعه وأصدق أمانيه. إنه لم يجد أمامه إلا أن يقبل تولي الخلافة ليقود الأمة في طريق الوحدة والإيمان ورفع راية الرسالة الإسلامية رغم أن نفسه لا تطاوعه في تحمل المسؤولية الجسيمة خوفاً من التقصير والتفريط .. وهكذا كان توليه الخلافة تضحية منه لصالح الإسلام وأمة الإسلام وليس مغنماً يسعى إليه، وقد أعانه الله لصدق نيته وحسن وجهته.

وقد عرفت بيعة أبي بكر في السقيفة بالبيعة الخاصة وكانت يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة ١١ هـ، وفي اليوم التالي (الثلاثاء) (٢) خرج إلى المسجد فبايعه الناس فيما عرف بالبيعة العامة بعد خطبة ألقاها عمر بن الخطاب اعتذر فيها عن موقفه من حادثة الوفاة النبوية وإنكارها، وبين مكانة أبي بكر في الصحبة والهجرة، وأبو بكر صامت لا يتكلم، حتى انتهى عمر من خطبته وطلب من أبي بكر الصعود إلى المنبر لتلقي البيعة من الناس (٣). ويحكي شاهد عيان طريقة البيعة لأبي بكر، يجتمع عليه العصابة فيقول لهم: "بايعوني على السمع والطاعة لله


(١) أخرجه موسى بن عقبة في مغازيه (الذهبي: تأريخ الإسلام ٣: ٨، وابن كثير: البداية والنهاية ٦: ٣٤١ وقال ابن كثير: إسناده جيد، البداية والنهاية ٥: ٢٨١، والحاكم: المستدرك ٣: ٦٦ وصححه ووافقه الذهبي).
(٢) عبد العزيز المقبل: خلافة أبي بكر ٥٧ - ٥٨، والطبري: تأريخ ٣: ١٩٩، والسهيلي: الروض الأنف ٤: ٢٧٠، وابن كثير: البداية والنهاية ٥: ٢٨٦، والخزاعي: تخريج الدلالات السمعية ٣٦، وابن حجر: فتح الباري ٨: ١٢٩.
(٣) البخاري: الصحيح ٩: ١٠٠، وعبد الرزاق: المصنف ٥: ٤٣٧.

<<  <   >  >>