وقد لقى مكر اليهود في المدينة بلطف ووداعة، حتى إذا لجوا في الضلال، وتمادوا في الكيد والبغي صدمهم صدمة ألقت بهم خارج الجزيرة العربية كلها، فبلغ رسالة ربه، وجاهد في سبيلها حتى اجتمع الناس عليها، ودخلوا في دين الله أفواجا.
لقد امتن الله على العالم عامة وعلى العرب خاصة ببعثة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فبها انتقل من الضلال إلى الهدى، ومن الظلام إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن القسوة إلى الرحمة ومن الظلم إلى العدل، ولم يتذوق العالم طعم المدنية الصحيحة ولا الإنسانية الكاملة، ولا الحرية والعدالة الحقيقيتين إلا بعد البعثة المحمدية التي غيرت مجرى تاريخ البشر وتفكير العالم ووجهته أحسن توجيه.
البعثة المحمدية صححت العقول الفاسدة، والمفاهيم الخاطئة للناس، وسمت بهم، فأصبحوا لا يؤمنون إلا بالله ربا، ولا يعبدون إلا الاله الواحد القوي العزيز الذي لا إله إلا هو ...
فبهذه البعثة الميمونة تحرر الضعفاء من الاستبداد والاستعباد والأفكار والعقائد من القيود والخرافات والأوهام ..
نجحت الدعوة الإسلامية في مكة وربوعها، وعلى العرب المتعصبين الضالين، ومن بعد نجحت في العالم شرقا وغربا، وسر نجاحها وتغلبها على العقبات والصعاب، يرجع إلى المسلمين الذين تمسكوا بالعقيدة تمسكا قويا، بالإخلاص لها والتفاني في سبيلها، فقد كانوا يقدمون على المعركة في سبيل الله وهم أقلة في عددهم وعدتهم يجابهون كثرة من الأعداء، وهم في صلفهم وغرورهم بخلاف المؤمنين الذين يلقون أعداءهم مستبسلين يرجون رضاء الله، ولا عليهم في ذلك أعادوا إلى الديار سالمين منصورين أم فاضت أرواحهم إلى ربها راضية مرضية.
وأول معركة في الإسلام هي غزوة بدر الكبرى انتصر فيها التوحيد على الشرك، والحق على الباطل وغلبت الفئة المؤمنة الصابرة الكثرة المتعجرفة، ما هي إلا دليل على الإخلاص والصبر.