وكان في مرضه يخرج كل يوم ليصلي بالناس، وآخر يوم خرج فيه، وهو متكيء على الفضل بن عباس، وعلى علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وقصد منبر الخطابة الذي كان يعظ عليه الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم خطب في المسلمين بصوت رفيع سمعه من كان خارج المسجد فقال:"أيها الناس تسمعون قولي إن كنت ضربت أحدكم على ظهره فدونه ظهري فليضربه، وإن كنت أسأت سمعة أحد فليتهم من سمعتي وإن كنت سلبت أحدا ماله فإليه مالي يقتص منه، وهو في حل من غضبي، فإن الغل بعيد عن قلبي، ثم نزل على المنبر وصلى بالجماعة، ثم دعا لشهداء البقيع ولمن حارب معه، وطلب الرحمة والغفران، وكان مشهد النبي في ذلك اليوم مشهد إجلال ووقار، وكان أبو بكر رضي الله عنه يبكي ويقول: هلا افيتدينا روحك بأرواحنا"، ثم أوصله الصحابة إلى بيت عائشة رضي الله عنها، واضطجع تعبا مهزولا، وبدأ المرض يشتد عليه، فتخلف عن الصلاة، قيل له قد جاء وقت الظهر، فأشار إلى أبي بكر ليصلي بالناس، وأخبرت عائشة عن حالة احتضاره، فقالت كان رأس رسول الله مسندا إلى صدري وبقربه قدر ماء يقوم ليضع فيها يده، ويمسح جبينه ويقول:"رب أغني على تحمل سكرات الموت أدن مني يا جبريل رب اغفر لي، واجمع بيني وبين أصدقائي في السماء"، ثم ثقلت رأسه، ومال ثانية إلى صدري، والتحقحت روحه الطاهرة بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وآله وسلم.