الآية الكريمة تبين درجة الأخلاق الكاملة التي وصل إليها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند ربه، ولقد بعث - صلى الله عليه وسلم - "ليتمم مكارم الأخلاق"(١) فإنه لم يبعث لينشرها فكانت منشورة ولكنها لم تتم، وعلى هذا كانت الإنسانية ناقصة قبل مجيئه صلى الله عليه وآله وسلم فكانت تريد شخصية أن يزكيها الله ويطهرها، ويبارك في روحها، وكان لا بد من هذه الشخصية المباركة ليكمل بها الدين وتتم النعمة، ولما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تمت النعمة الكبرى، وأكمل الله له الدين فقال سبحانه وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وبعدما تم هذا الدين وتمت النعمة قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وهكذا كانت هدايته لجميع الناس، وربطت صفاته الخلقية بينهم برباط وثيق، وكانت قيادته صلى الله عليه وآله وسلم ملهمة الخير لهذه الأمة ...
كان الصدر الأول من سلفنا الصالح مملوئي القلوب بالمحبة لله ولرسوله مشغولي الجوارح بالطاعة، طاعتهم ابتهال لله، وإنابة إليه، ألسنتهم ذاكرة، وقلوبهم خاشعة، وجوارحهم ساعية حافدة، كانوا ممتثلين لأوامر الله بعيدين عن النواهي فمحبتهم لله ولرسوله كانت مجلوة في مظاهر الإمتثال وإتباع السنة، والإقتداء الكامل محفوفا بالوقار الشامل. قلوبهم عامرة، وأجسادهم مجتهدة مجاهدة في كل مظنة قرب من الله ورسوله.
سيدي رسول الله صلوات الله وسلامه عليك- الهدى ما بين الله وبينت، وما أمر الله وبلغت فلنذكرك ونعظمك ونقدسك، وليكن في ذكرنا لك ذكرى لكل قلب منيب، وليخشى كل مدعي محبتك أن يبتدع فيما جئت به، فما قصرت يا رسول الله في التبليغ ولا كتمت، ولا تركت حاجة لمبين بعدك إلا تذكيرا وتعليما وتبصيرا، فذكرنا لك يا رسول الله هو أن ننشر هديك، ونحيي سنتك، ونسلك سبيلك، ونحارب البدع التي حذرتنا منها ...
(١) صحيح: رواه الحاكم والبيهقي في السنن- عن أبي هريرة.