الجادة، في كشف الضلالة عن العقول، والعماية عن القلوب إلى مماحكات سقيمة، وجدل مريض ... وليس هذا شأن الإسلام وحده، وإنما هو سبيل الشرائع السماوية كلها منهج واحد وطريق واحد لأنه أعدل منهج وأقوم طريق لا جدال في الله، ولا بحث في ذاته! ولكن استدلال على الله، ونظرة إلى هذا الوجود الذي يصافح حواسنا، ويأخذ بمجامع عقولنا وقلوبنا، نظرة تمتليء بها القلوب خشية واخباتا لمن خلق فسوى وقدر فهدى ...
ذلك هو منهج الدعوات الإسلامية في كل أمة، وعلى لسان كل نبي {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا}.
والذي ينظر في هذا المنهج السماوي في الدعوة إلى الله يجد بين يديه دلائل الإعجاز التي تعنو لها الوجوه، وتخضع لها أعناق المعانذين والمكابرين.
فإن تدبير هذا المنهج وتدرجه مع التطور العقلي الإنساني ومسايرته لملكات الفكر الإنساني. عصرا بعد عصر ينطق بشهادتين:
الشهادة الأولى: أن هذا التدبير لا يكون إلا من حكيم خبير يعلم من الناس ما لا يعلمون ذلك هو الله رب العالمين.
الشهادة الثانية: صدق هذا القرآن الذي نأخذ عنه ذلك المنهجع الصادق المعجز لأنه كلام الله، وأن النبي المبعوث به صادق موصول بأسباب السماء يتلقى رسالته عن الله، ويحمل إلى الناس شريعته ...
والقرآن الكريم لا يهتم بالتوقيت الزمني لدعوات الأنبياء الذين ذكروا في الكتاب، لأن هذا التحديد ليس له أثر في الواقعة التي يذكرها القرآن، ولهذا المعنى لم تشر آيات الكتاب إلى أماكن الدعوة. إذ أن مرمى الواقعة لا يراد بها إلا عرض مشهد من مشاهد الصراع بين الإيمان والكفر، وبين الحق والباطل، والزمان والمكان قضية تتجدد على مر الأزمنة، وتقع في كل مكان، فلا أثر للزمان أو المكان في موقع الدعوة أو العبرة منها ...