للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهنا يبدو وجه الحكمة في إطلاق وقائع الدعوة من ظروف الزمان والمكان في هذا الصراع بين الحق والباطل حيث تظل هذه الوقائع ملء الأزمنة، وملء الأمكنة وبهذا لن تكون غريبة في أي زمان ومكان، إنها للناس جميعا، ولأجيال الناس جميعا، فحيث كان صراع بين حق وباطل كانت وقائع القصص القرآني دستورا محكما يحتكم ويتأسى به.

ونلاحظ أيضا مع إطلاق وقائع الدعوات السماوية من قيود الزمن والمكان، فإن الترتيب الزمني بين هذه الدعوات قد نال شيئا من اهتمام القرآن به، فهناك أكثر من وجه يمكن أن يستدل منه على مكان كل دعوة من سابقتها أو لاحقتها في الزمن. ومن هذا دعوة هود عليه السلام يجيء على لسانه، وهو يخاطب قومه: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (سورة الأعراف). كما يجيء على لسان صالح عليه السلام مخاطبا قومه: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} (سورة هود). وكذلك يذكر القرآن مدين في قوله تعالى: {أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} فيفهم من هذا أن دعوة شعيب كانت بعد دعوة صالح لأن صالحا كان رسولا إلى ثمود، وأن شعيبا كان رسول مدين وإني اتبع هذا الترتيب في المنهج الذي وضعته السماء لدعوة الحق، وفتح عقول الناس وقلوبهم لها ...

كانت دعوة الأنبياء تدعو إلى الله مباشرة دون أن تلفت العقول إلى الاستدلال عليه من النظر في ملكوت السماوات والأرض، وتكاد الدعوة تكون دائرة بين كلمتين: (أعبدوا الله) من غير أن يدعي العقل إلى البحث عن الله، والإستدلال بالنظر في ظاهر الوجود.

ولهذا كانت دعوة الرسل تحتاج إلى قوة قاهرة، قوة لا تخاطب العقل: وإنما تجابه الحس، فتبهر الأبصار وتصم الأذان، وترعد الفرائص، إنها المهلكات التي يخوف بها الرسل أقوامهم إن هم أبوا الاستجابة لدعوة الرسل والايمان بالله ..

ونذكر بعض الدعوات السماوية التي كانت قبل الإسلام.

<<  <   >  >>