البحر، ويفتح له ولقومه طريق فيه، وينسحب بقومه إلى الشاطيء الشرقي من البحر، وفرعون وجنوده جادون في أثرهم، يركبون نفس الطريق في قلب البحر، وهنا تنتهي المعجزة بعد أن أدت دورها، حيث يطبق البحر على فرعون وجنوده، فيغرقون جميعا.
وهذه المعجزات قد شهدها بنو إسرائيل، وكان من شأنها أن تقع من القوم موقع الإيمان، وأن تقوم شاهد صدق على رسالة موسى، ولكن القوم قد إلتوت نفوسهم فلم تعبأ فيها بتلك المعجزات، ولم تصادف نفوسا طيبة، وظل القوم في حاجة إلى معجزات أخرى يتلو بعضها بعضا وجاء موسى بالبينات، ضرب بعصاه الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا لكل قبيلة منهم عين تستقي منها، وأنزل عليهم المن والسلوى وجاءهم بالتوراة فيها هدى ونور، وفيها تذكير لهم، بما تفضل الله عليهم من نعمة إذ نجاهم من آل فرعون. {يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}(سورة البقرة) ومع هذا فقد لجوا في الضلال والعناد، وأبوا أن يقتنعوا بكل هذه الآيات، وطالبوا إلى موسى أن يريهم الله جهرة {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} وقد كان من المتوقع- في ظاهر الأمر- أن ينزل العذاب الشامل بهم جميعا، وأن يقع البلاء الماحق الذي لا يبقي ولا يذر، كما كان الشأن في المكذبين من الأقوام السابقة، ولكن يجيء الأمر على غير هذا فيقع البلاء، ويحل العذاب، وإنما في حدود معينة تنال المعتدين. وأخذ الظالمين ...
فالذين اعتدوا في السبت وخرجوا على الشريعة هؤلاء مسخوا مسخا خرج بهم عن الإنسانية فكانوا قردة يسخر منهم، ويستهزأ بهم، وتكون فيهم العبرة لمن اعتبر {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (سورة البقرة) ...