الوجود، فيرفع من نفسه إلى معالي الأمور: من الإباء والشجاعة والقوة من أجل إحقاق الحق والقيام بالواجب.
الإيمان بالقدر يري الإنسان أن كل شيء في الوجود إنما يسير وفق حكمة عليا، فإذا مسه الضر فإنه لا يجزع، وإذا صادفه التوفيق والنجاح فإنه لا يفرح ولا يبطر، وإذا برئ الإنسان من الجزع عند الإخفاق والفشل، ومن الفرح والبطر عند التوفيق والنجاح كان إنسانا سويا متزنا بالغا منتهى السمو والرفعة وهذا هو معنى قول الله سبحانه:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}(سورة الحديد).
هذا ما ينبغي أن نفهمه من القدر، وهو مقتضى فهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وفهم أصحابه رضوان الله عنهم أجمعين ..
وقد دخل رسول الله يوما على الإمام علي كرم الله وجهه بعد صلاة العشاء فوجده قد بكر بالنوم فقال له:"هلا قمت من الليل؟ فقال يا رسول الله أنفسنا بيد الله إن شاء بسطها، وإن شاء قبضها، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخرج وهو يضرب على فخذه ويقول، "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا" ...... وسرق أحد اللصوص، فلما حضر بين يدي عمر رضي الله عنه سأله لم سرقت؟ فقال قدر الله ذلك، فقال عمر رضي الله عنه أضربوه ثلاثين سوطا، ثم أقطعوا يده، فقيل له: ولم؟ فقال: يقطع لسرقته، ويضرب لكذبه على الله".
إن القدر لا يتخذ سبيلا إلى التواكل، ولا ذريعة إلى المعاصي ولا طريقا إلى القول بالجبر، وإنما يجب أن يتخذ سبيالا إلى تحقيق الغايات الكبرى من جلائل الأعمال، إن القدر يدفع بالقدر، فيدفع قدر الجوع بقدر الأكل، وقدر الظمأ بقدر الري، وقدر المرض بقدر العلاج والصحة، وقدر الكسل بقدر النشاط والعمل.