ويذكر أن أبا عبيدة بن الجراح قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما حينما فر من الطاعون: أتفر من قدر الله قال: نعم أفر من قدر الله إلى قدر الله، أي يفر من قدر المرض والوباء إلى قدر الصحة والعافية، ثم ضرب له مثلا بالأرض الجدباء، والأرض الخصبة، وأنه إذا انتقل من الأرض الجدباء إلى الأرض الخصبة لترعى فيها إبله، فإنه ينتقل من قدر إلى قدر (١) ....
لقد كان يمكن للرسول وصحابته أن يستكينوا كما يستكين الضعفاء الواهنين معللين أنفسهم بالفهم المغلوط الذي يتعلل به الفاشلوت، ولكنه جاء يكشف عن وجهه الصواب، فلم يهن ولم يضف، واستعان بالقدر على تحقيق رسالته الكبرى ملتزما سنة الله في نصره لعباده ....
فقاوم الفقر بالعمل، وقاوم الجهل بالعلم، وقاوم المرض بالعلاج، وقاوم الكفر والمعاصي بالجهاد، وكان يستعيذ بالله من الهم والحزن، والعجز والكسل، وما غزواته المظفرة إلا مظهر من مظاهر إرادته العليا التي تجري حسب مشيئة الله وقدره ....
وقد حذر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أن يفهم القدر فهما خاطئا، ودعا إلى مجاهدة من يرى هذا الفهم الخطأ، فقد روى عن جابر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"يكون في آخر الزمان قوم يعملون المعاصي، ثم يقولون: الله قدرها علينا، الراد عليهم يومئذ كالشاهر سيفه في سبيل الله" ....
هذا هو القدر الذي ينبغي أن نعرفه عن القدر، وما وراء هذه المعرفة عنه فلا يحل لنا البحث فيه، ولا التنازع في شأنه، فإن هذا من أسرارالله التي لا تحيط بها العقول ولا تدركها الأفكار ....
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن نتتازع في القدر، فغضب حتى احمر وجهه،