للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكي يقاوم سلطان الوراثة غالب الناس يحرصون على اتباع ما وجدوا عليه آباءهم فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (سورة البقرة)، وقال في الأثر: "إياكم وخضراء الدمن قالوا وما خضراء الدمن قال المرأة الحسناء في منبت السوء" (١)، فنرى من هذا أن أقدار الغرائز والبيئات والوراثات غالبة لا سلطان للإنسان عليها، ولكنه يستطيع أن يصد طغيانها ويحد من سيء آثارها وأن يلجمها بلجام الحكمة فتكون كلها خيرا نافعا.

النوع الثالث:

أما النوع الثالث- وهي الأقدار التي أوجب الله تعالى على الإنسان أن يدفعها- فهي الأقدار المتصلة بالأعمال الإختيارية، ومنها التكليف الشرعي، وهذه الأقدار الخيرة ابتداء وغاية.

جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه بالهدى ودين الحق فكذبوه ورموه بما رموه به، وحالوا دون نشر دعوته، وإعلان كلمة الحق، ولا جرم أن ذلك كله من قدر الله، فماذا كان من أمره عليه الصلاة والسلام؟ أتظنون أنه خضع لأحكام هذا القدر، واستسلم لسلطانه ووقف أمام أعدائه مكتوف اليدين؟ أتظنون أنه ترك حبل الدعوة على غاربها، وقبع في كسر بيته انتظارا لما تأتي به الأقدار؟ كلا بل قاوم، وناضل وجاهد، وقاتل وبذل كل ما في وسعه، وأنفق جهد طاقته لينحي أعداء الحق من طريقه، حتى أيده الله بنصره، وذلك من قدر الله أيضا فها نحن أولا قد رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد دفع قدرا بقدر، ونحن في كل حين ندافع أقدارا بأقدار ...

فالجوع مثلا من القدر ونحن ندفعه بقدر الطعام، والعطش من القدر، ونحن ندفعه بقدر الشراب، والمرض من القدر، ونحن ندفعه بالدواء وهو من القدر أيضا ولو أن امرأ استلسم لقدر الجوع أو الظمأ مثلا وهو قادر على دفعه، ثم مات مات عاصيا لله تعالى الذي نهاه عن أن


(١) قال الدارقطني- لا يصح من وجه وفي المختصر- ضعيف قال في المقاصد- تفرد به الواقدي.

<<  <   >  >>