يلقي بنفسه الى التهلكة قال تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(سورة البقرة)، وقال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(سورة النساء).
وقد أفصح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا كل الإفصاح، وأوضحه كل الإيضاح حين قيل له:"يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نستقي بها، وتقى نتقي بها أترد من قدر الله شيئا؟ فقال عليه الصلاة والسلام هي من قدر الله"(١). فانظر الى هذا الجواب الحكيم الذي يحفز الهمم الى العمل النافع ويهيب بالناس الى إتخاذ الأسباب والإمعان في الحذر. قال تعالى في الثناء على المؤمنين:{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}(سورة الرعد)، وقال تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(سورة فصلت)، فقد أخبرنا سبحانه وتعالى في الآية الأولى عن المؤمنين بأنهم يدرءون بالحسنة السيئة، والسيئة من قدر الله، والحسنة التي يدفعونها بها من قدر الله أيضا فهم يدفعون قدرا بقدر كما رأيتم، وفي الآية الثانية يأمر الله سبحانه بالدفع بالتي هي أحسن. والتي هي أحسن هي الحالة أو الصفة الحسنة تدفع بها الحالة أو الصفة السيئة وكلتاهما من قدر الله سبحانه، فهو يأمر أن تدفع القدر بالقدر ....
وقال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}(سورة الانفال). فقد أمر الله تعالى بإعداد المستطاع من العدة ارهابا للعدو والمستطاع هو ما يدخل في قدرة الإنسان وإختياره وكل هذا من باب دفع الاقدار بالأقدار وهو في وسع الإنسان وفي صميم إمكانه
(١) أخرجه أحمد والترميذي والحاكم وابن ماجه- في سنده مجهول وباقي رجاله ثقات انظر ترجمة أبي حزامة في التهذيب وفي الباب عن حكيم بن حزام عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.