فذكر الله وامتلاء القلب به يفيض على الذاكر نورا من جلال الله وبهائه فإذا هو في حمى عزيز لا ينام، وفي ضمان وثيق من أن يهون أو يذل لغير الله الواحد القهار.
وأسمى الذكر هو ذكر العارفين بالله معرفة يطلعون منها على ما يملأ قلوبهم جلالا وخشية لله حيث يشهدون من كمالات الله ما لا يشهده إلا المقربون الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، كما يقول سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}.
وهذا الود إنما يناله أولئك الذين يذكرون الله، فيذكرهم الله، ويعرفونه فيعرفهم:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا}، فهذا الذكر هو الذي يضيء الطريق للسالك إلى ربه فيرى على جانبيه نور الخالق وجلاله وعظمته، فيخشع قلبه وتسكن وساوسه.
الرجاء الذي يقوم على غير إيمان، ويستند إلى غير طاعة، فهو مكر الله وخداع للنفس، وعدوان على سنن الحياة التي أقام الله عباده عليها فجعل لكل عامل عمله ولكل غارس ثمرة غرسه.
وينبغي أن يحسن العبد الظن بربه، بل وأن يبالغ ما شاء في هذا الظن ولكن يشترط أن يكون ذلك الظن نابعا من الإيمان بالله.
وتأمل كيف قال الله تعالى في آية الذكر:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} وفي آية الدعاء {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}.
فذكر التضرع فيهما معا، وهو التذلل والتمسكن والانكسار، وهو روح الذكر والدعاء، وخص الذكر بالخيفة لحاجة الذاكر إلى الخوف، فإن الذكر يستلزم المحبة، فمن أكثر من ذكر الله أثمر له ذلك محبته والمحبة ما لم تقترن بالخوف، فإنها لا تنفع صاحبها، بل تضره لأنها توجب الإدلال والانبساط. وربما آلت بكثير من الجهال المغرورين إلى أنهم استغنوا بها عن الواجبات ...